قلت: ليس كما قال، بل فيه عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة الجُمحي لم يوثقة إلا ابن حبان؛ ولذا جعله الحافظ في درجة "مقبول" قلت: وهو كذلك، لأنه رواه ابن خزيمة في صحيحه (٣٧٨)، والنسائي (٦٢٩) كلاهما من طريق إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك، عن أبيه، وعن جده عبد الملك جميعًا عن أبي محذورة فذكر الحديث مختصرًا كما سبق، ثم قال ابن خزيمة: عبد العزيز بن عبد الملك لم يسمع هذا الخبر من أبي محذورة، وإنما رواه عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة فذكر الحديث مختصرًا.
قلت: فيه متابعة له من أبيه، ولا يمنع أن يكون أبوه وهو عبد الملك سمعه من أبيه وهو أبو محذورة، وهي متابعة تقوي عبد العزيز، ولذا قال ابن خزيمة: خبر ابن أبي محذورة ثابت صحيح من جهة النقل. انتهى.
ثم قال الشافعي رحمه الله تعالى في الأم:"الأذان والإقامة كما حكيت عن آل أبي محذورة فمن نقص منها شيئًا أو قدم مؤخرًا أعاد حتى يأتي بما نقص وكل شيء منه في موضعه، والمؤذن الأول والآخر سواء في الأذان، ولا أحب التثويب في الصبح ولا غيرها، لأن أبا محذورة لم يحك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بالتثويب، فأكره الزيادة في الأذان وأكره التثويب بعده".
هكذا يقول الشافعي عن الثويب، وهو قول المؤذِّن في صلاة الصبح:"الصلاة خير من النوم" مرتين وقد ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة كما سيأتي في الباب الذي يليه.
وقال البيهقي في سننه (١/ ٤١٩): "وفي رواية الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، عن الشافعي في مسألة كيفية الأذان والإقامة قال الشافعي: الرواية فيه تكلف، الأذان خمس مرات في اليوم والليلة في المسجدين على رؤوس الأنصار والمهاجرين، ومؤذنو مكة آل أبي محذورة، وقد أذَّن أبو محذورة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلّمه الأذان، ثم ولا بمكة، وأذَّن آل سعد القرظ منذ زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وزمن أبي بكر كلهم يحكون الأذان والإقامة والتثويب وقت الفجر كما قلنا: فإن جاز أن يكون هذا غلطًا من جماعتهم، والناس بحضرتهم، ويأتينا من طرف الأرض من يعلمنا جاز له أن يسأله عن عرفة وعن مني ثم يخالفنا، ولو خالفنا في المواقيت كان أجوز له في خلافنا من هذا الأمر الظاهر المعمول به" انتهى.
فأثبت التويب، ويظهر من كلام المزني من مختصره بأن هذا الذي كان في القديم.
قال السراج البلقيني:"وهذا الذي حكاه المزني عن القديم هو المعتمد في العمل والفتوى" كذا في حاشية الأم.
وأما ما جاء في الترجيع فقال الشيخ محمد أنور الكشميري الحنفي في "فيض الباري"(١/ ١٥٨) "ولا شك أن الأذان بمكة كان بالترجيع حتى تسلسل إلى زمان الشافعي رحمه الله تعالى، فاختاره لهذا، فلا يمكن إنكاره، ولا يستحسن تأويله، كيف وقد كان ينادي به على رؤوس المنائر