قلت: ليس عمدة التصحيح عدالة الراوي وحده، وإنما عمدة التصحيح انتفاء جميع موانع التضعيف، وهنا لم ينتف جميع موانع التضعيف. والرواية الثانية في المتن أخرجها أبو داود (٥٠٣) وابن ماجه (٧٠٨) كلاهما من طريق ابن جريج، قال: أخبرني ابن عبد الملك بن أبي محذورة - يعني عبد العزيز، عن ابن محيريز، عن أبي محذورة.
ورواه الترمذي (١٩١) والنسائي (٦٣٩) كلاهما عن بشر بن معاذ قال: حدثني إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: أخبرني أبي وجدي جميعًا عن أبي محذورة، إلا أن الترمذي لم يسق لفظ الأذان، وإنما قال: قال بشر بن معاذ البصري: فقلت له: (أي لإبراهيم)"أعد عَلَيَّ" فوصف الأذان بالترجيع، وقال: هو حديث صحيح، وعليه العمل بمكة وهو قول الشافعي.
قلت: روى الشافعي قصة أذان أبي محذورة مفصلة في الأم (١/ ٨٤ , ٨٥).
كما رواه أيضًا ابن ماجه، كلاهما من طريق ابن جريج قال: أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورةَ، عن عبد الله بن محيريز، وكان يتيمًا في حجر أبي محذورة بن معير، حين جَهزه إلى الشام، فقلت لأبي محذورة: أي عم! إني خارج إلى الشام، وإني أسأل عن تأذينك، فأخبرني أن أبا محذورة قال: خرجت في نفر، فكنَّا بعض الطريق، فأذن مؤذن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكِّبون، فصرخنا نحكيه، نهزأ به، فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل إلينا قومًا فأقعدونا بين يديه، فقال:"أيُّكُم الذي سمعتُ صوته قد ارتفع؟ " فأشار إليَّ القومُ كلهم، وصدقوا، فأرسل كلهم وحبسني، وقال لي:"قم فأذنَّ"، فقمت، ولا شيء أكرهُ إليَّ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا مما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالقي عليَّ رسول الله التأذين هو بنفسه، فقال:"قُل: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله"، ثم قال لي "ارفع من صوتك: أشهدُ أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله"، ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضَّة، ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة، ثم أمَرَّها على وجهه، ثم على ثديَيه، ثم على كبده، ثم بلغتْ يدُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُرّة أبي محذورة، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بارك الله لك وبارك عليك" فقلت: يا رسول الله! أمرتني بالتأذين بمكة؟ قال:"نعم أمرتُك" فذهب كل شيء كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كراهية، وعاد ذلك كلُّه محبةً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقدمت على عتَّاب بن أسيد عامل رسول الله بمكة، فأذَّنتُ معه بالصلاة عن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال: وأخبرني ذلك من أدرك أبا محذورة، على ما أخبرني عبد الله بن محيريز.
قال البوصيري في زوائد ابن ماجه:"هذا إسناد رجاله ثقات".