إني كنت يقظانًا غير نائم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال ابن المثنى:"لقد أراك الله عزَّ وجلَّ خيرًا" ولم يقل عمرو: "لقد أراك الله خيرًا" فمُر بلالًا فليؤذن، قال: فقال عمر: أما إني قد رأيت مثل الذي رأى، ولكني لما سُبقت استحييت، قال: وحدثنا أصحابنا، قال: وكان الرجل إذا جاء يسأل فيخبر بما سبق من صلاته، وأنهم قاموا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين قائم وراكع وقاعد ومُصلٍّ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن المثنى: قال عمرو: وحدثني بها حصين، عن ابن أبي ليلى: حتى جاء معاذ قال شعبة: وقد سمعتها من حُصين، فقال: لا أراه على حال، إلى قوله:"كذلك فافعلوا".
فقد قال البيهقي في "المعرفة"(٢/ ٢٥٧): "حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى في رؤيا عبد الله بن زيد الأذان والإقامة مثنى مثنى، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: عَلِّمها بلالًا، وحكاية عبد الرحمن أذان بلال وإقامته في بعض الروايات عنه، حديث مختلف فيه على عبد الرحمن، فروي عنه، عن عبد الله بن زيد، وروي عنه قال: حدثنا أصحاب محمد، أن عبد الله بن زيد، وروي عنه، عن معاذ بن جبل في قصة عبد الله بن زيد، قال محمد بن إسحاق بن خزيمة، عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل، ولا من عبد الله بن زيد بن عبد ربه صاحب الأذان، فغير جائز أن يُحتج بخبرٍ غير ثابتٍ على أخبار ثابتةٍ".
قال البيهقي: وكما لم يسمع منهما لم يسمع من بلال، ولا أدرك أذانه وقال: إن عبد الرحمن بن أبي ليلى وُلد لِسِتٍّ بقين من خلافة عمر، ومعاذ بن جبل مات بعمواس عام الطاعون بالشام في خلافة عمر، وتوفي بلال بدمشق سنة عشرين، فصحَّ بهذا كله انقطاع حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى كما قال الشافعي.
ثم قال البيهقي: والترجيح بالزيادة إنما يجوز بعد ثبوت الزيادة، وقد ذكرنا ضعْف رواية من روي في قصة تثنية الإقامة، ثم حديث أنس بن مالك الذي قد اتفق أهل العلم بالحديث على صحته، وحديث ابن عمر فيه دلالة على أن الأمر صار إلى إفراد الإقامة، إن كانت مثنى قبل ذلك. انتهى كلام البيهقي باختصار.
وفيه رد لمن يجعل حديث أبي محذورة هذا ناسخًا لحديث أنس بن مالك؛ لأن حديث بلال كان أول ما شرع الأذان، وحديث أبي محذورة كان عام حنين، وبينهما عدة مديدة فقالوا: حديث ضعيف لا يصلح أن يكون ناسخًا لحديث صحيح، أو أقوى منه، لأن من شرط النسخ أن يكون الناسخ أقوى من المنسوخ، ويمنع الجمع بينهما، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن لفظة:"تثنية الإقامة" غير محفوظة في حديث أبي محذورة، إذ حديث أبي محذورة لا يوازي حديث أنس بوجه من الوجوه، بل الصحيح الثابت عن أبي محذورة عكس هذا الحديث وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يشفع الأذان ويُوتر الإقامة.
ثم إن حديث أبي محذورة وإن كان وقع بعد فتح مكة، فقد رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وأقرَّ بلالًا على أذان عبد الله بن زيد، أخرج الحازمي في كتابه "الناسخ والمنسوخ" من طريق أبي بكر