الله - صلى الله عليه وسلم - لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله عَزَّ وَجَلَّ أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهودُ، فاستقبلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضعة عشر شهرًا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ قبلة إبراهيم، فكان يدعو وينظر إلى السماء، فأنزل الله تبارك وتعالى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} إلى قوله: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}[البقرة: ١٤٤]. فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا:{مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ:{قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}[البقرة: ١٤٢]. وقال:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}[البقرة: ١١٥].
صحيح: رواه ابن جرير في "تفسيره"(٢/ ٤٥٠)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(١/ ٢٤٨)، والبيهقي (٢/ ١٢ - ١٣) كلّهم من طريق أبي صالح، عن معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، فذكره.
وعلي بن أبي طلحة لم يدرك ابن عباس، إِلَّا أن الواسطة بينهما معروفة، ولذا صحح أهل العلم هذا الإسناد. وأخرجه أيضًا ابن أبي حاتم في "تفسيره"، والبيهقي من وجه آخر عن عطاء الخراسانيّ، عن ابن عباس، قال:"أوّل ما نُسخ من القرآن فيما ذكرنا - والله أعلم - شأن القبلة" فذكره بنحوه. وعطاء الخراساني لم يسمع من ابن عباس.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن ابن عباس، قال: لما صُرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة - وصُرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهرًا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة - أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رفاعةُ بنُ قيس، وقردمُ بنُ عمرو، وكعبُ بن الأشرف، ونافع بن أبي نافع - هكذا قال ابن حميد، وقال أبو كريب: ورافع بن أبي رافع -، والحجاج بن عمرو - حليف كعب بن الأشرف -، والربيع بن الربيع بن أبي الحُقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فقالوا: يا محمد! ما ولَّاك عن قبلتكَ التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملّة إبراهيم ودينه، ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعُك ونصدِّقك. وإنّما يريدون فتنته عن دينه، فأنزل الله فيهم:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} إلى قوله: {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}[البقرة: ١٤٣ - ١٤٣].
رواه البيهقيّ في "الدلائل"(٢/ ٥٧٥)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(١/ ٢٤٧ - ٢٤٨)، والطبري في تفسيره (٢/ ٦١٨ - ٦١٩) كلّهم من طريق محمد بن إسحاق، قال: حَدَّثَنِي محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال: حَدَّثَنِي سعيد بن جبير - أو عكرمة، شك محمد بن أبي محمد -، عن ابن عباس، قال (فذكره).
والقصة هذه بكاملها ذكرها ابن هشام في السيرة (١/ ٥٥٠) مع حذف إسنادها. وفيه محمد بن أبي محمد الأنصاري مولى زيد بن ثابت لم يرو عنه غير ابن إسحاق. قال أبو حاتم:"مجهول".
وقال الذّهبيّ:"لا يعرف". وقال الحافظ:"مجهول". وأمّا ابن حبان فذكره في "الثّقات".