فإذا كان شريك لا يحتج به إذا انفرد، فكيف إذا خالف، فقد روى أصحاب عاصم بن كليب عنه صفة صلاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وسبق ذكر بعضه، ولم يذكر أحد منهم ما ذكره شريك.
وللحديث طريق آخر وهو معلول أيضًا، رواه أبو داود (٨٣٩) وعنه البيهقيّ (٢/ ٩٨) عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فذكر صفة الصّلاة، وقال: "فلمّا سجد وقعتا ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه". وعبد الجبار لم يسمع من أبيه شيئًا كما قال ابن معين والبخاري.
والطريق الآخر رواه شقيق قال: حَدَّثَنِي عاصم بن كليب، عن أبيه، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فذكر مثله، وزاد: "وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذه". وشقيق لا يعرف.
وكذلك ما رواه الدَّارقطنيّ (١٣٠٨)، والحاكم (١/ ٢٢٦) - وصحَّحه على شرط الشّيخين -، من طريق حفص بن غياث، عن عاصم الأحول، عن أنس في حديثٍ فيه: "ثم انحط بالتكبير، فسبقتْ ركبتاه يديه". قال الدَّارقطنيّ: تفرّد به العلاء بن إسماعيل، عن حفص بهذا الإسناد.
وكذا قال أيضًا البيهقيّ (٢/ ٩٩). وقال الحافظ في "التلخيص" (١/ ٢٥٤) وهو "مجهول".
وكذلك ما رواه مصعب بن سعد بن أبي وقَّاص، عن أبيه قال: كنَّا نَضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بالركبتين قبل اليدين.
رواه ابن خزيمة (٦٢٨) عن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، حَدَّثَنِي أبيّ، عن أبيه، عن سلمة، عن مصعب به.
تفرّد به إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة، عن أبيه وهما ضعيفان، وفي التقريب: إبراهيم بن إسماعيل "ضعيف"، وأبوه إسماعيل بن يحيى "متروك".
قال الحازمي في كتابه "الاعتبار" (ص ٥٥): "أما حديث سعد ففي إسناده مقال، ولو كان محفوظًا لدل على النسخ، غير أن المحفوظ عن مصعب بن سعد، عن أبيه حديث نسخ التطبيق. انتهى.
وقد أعلّه أيضًا الحافظ ابن القيم قائلًا: "وإنَّما هو في قصَّة التطبيق".
وأشار الحافظ إلى رواية ابن خزيمة وقال: "لكنه من أفراد إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه، وهما ضعيفان". انتهى.
قلت: ويمثل هذا الحديث الضعيف جدًّا بل مكذوب يستدل ابن خزيمة بأن وضع اليدين قبل الركبتين منسوخ! فلو قال عكس ذلك لكان متجهًا؛ لأنَّ وضع اليدين قبل الركبتين يساعد الضعفاء وكبار السن على الخرور إلى السّجود بخلاف وضع الركبتين قبل اليدين. ومن المعلوم أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لما أسنَّ وثقل اختار الوضع الذي يساعده في أداء الصّلاة، فكان أكثر صلاته النافلة في البيت جالسًا، فليكن من آخر الأمرين منه وضع اليدين قبل الركبتين.
هذه خلاصة ما قيل في أحاديث هذا الباب، وللعلماء نفس طويل في دراسة الأحاديث من المصححين