ابن حكيم، حدثنا خالد بن سلمة، أن عبد الحميد بن عبد الرحمن دعا موسى بن طلحة حين عرَّس على ابنه فقال: يا أبا عيسى كيف بلغك في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال موسى: سألتُ زيد بن خارجة عن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال زيد: أنا سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسي: كيف الصلاة عليك؟ ... فذكر الحديث.
ورواه أيضًا الطبراني في الكبير (٥١٤٣) من طريق عثمان بن حكيم، وليس فيه أن عبد الحميد بن عبد الرحمن دعا موسى بن طلحة، وفيه: قد عرفنا كيف نُسلم عليك، فكيف نُصَلِّي عليك؟ فذكر مثله، ورواه أيضًا النسائي (١٢٩٢) من طريق عثمان بن حكيم إلا أنه اخنصره. ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
وأما أحاديث فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عمومًا فستأتي في كتاب الدعوات.
فقه الباب:
أحاديث هذا الباب تدلُّ على مشروعية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة في التشهد، وهو أمر لا خلاف فيه بين أهل العلم، وإنما الخلاف في وجوبها فقال جماعة من الصّحابة والتابعين، والإمامان الشّافعي وأحمد: إنّها واجبة، واستدلوا بقوله: "قولوا".
وقال جمهور أهل العلم: إنها ليست بواجبة، لأنّها ليست جزءًا من الصلوات التي أمر النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن
نصليها كما نراه.
ثم اختلف القائلون بوجوبها فمن رأى أنه لا تخصيص للتشهد الثاني قال بوجوبها في التّشهدين.
ومن رأى أن التّشهد الأوّل ليس محلًّا للصّلاة على النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لأنّه شرع فيه التخفيف كما جاء
في صفة صلاة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - "أنّه إذا كان في الرّكعتين الأوّليين كأنّه على الرّصف (الحجارة المحماة) حتى يقوم". قال بعدم وجوبها في التّشهّد الأوّل.
رواه أبو داود والترمذي والنسائي. قال الترمذي: "حسن".
والصّواب أنّه منقطع؛ لأنّه من رواية أبي عبيدة، عن أبيه عبد الله بن مسعود.
وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه.
وقالوا أيضًا: في تشهد عبد الله بن مسعود، قال النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "ثم يتخيّر من الدّعاء أعجبه إليه فيدعو". إشارة إلى أنّ التّشهّد الأوّل ليس فيه من الأدعية؛ لأنّ المقصود منه التّخفيف والإسراع. ولكن من صلّى على النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - في التشهّد الأول لا ينكر عليه؛ لأنّ الصّلاة على النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - من أفضل القربات.
وعقد الحافظ ابن القيم في كتابه "جلاء الأفهام" فصلين:
فصل في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر التشهد وقال: هو أهمها وآكدها، وقد أجمع المسلمون على مشروعيته، واختلفوا في وجوبه فيها، ثم ذكر أدلة المانعين والموجبين وأطال.
والفصل الثاني: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول.