إنّ أرضنا كثيرةُ الجِرْذان، ولا تبقى بها أسقية الأَدَم. فقال نبيُّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وإن أكلتها الجرذانُ، وإن أكلتها الجرذانُ، وإن أكلتها الجرذان" قال: وقال نبيُّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأشج عبد القيس:"إنّ فيك لخصلتين يحبُّهما اللَّه الحِلْم والأَنَاة".
صحيح: رواه مسلم في الإيمان (١٨) عن يحيى بن أيوب، حدثنا ابنُ عليّة، حدّثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال: حدّثنا من لقي الوفدَ الذين قدموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من عبد القيس. قال سعيد (ابن أبي عروبة): وذكر قتادة أبا نضرة، عن أبي سعيد في حديثه هذا:"أنّ ناسًا من عبد القيس" فذكره.
ورواه من وجه آخر عن ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، قال: حدثني غيرُ واحد لقي ذاك الوفد. وذكر أبا نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ: أنّ وفد عبد القيس لما قدموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمثل حديث ابن عليّة، غير أنّ فيه:"وتَذيفُون فيه من القُطَيْعاء أو التمر والماء" ولم يقل: "قال سعيد: أو قال: من التمر".
ورواه من طريق أبي عاصم وعبد الرزّاق، قال عبد الرزّاق: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني أبو قزعة، أنّ أبا نضرة أخبره وحسنًا أخبرهما، أنّ أبا سعيد الخدريّ أخبره: أنّ وفد عبد القيس لما أتوا نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قالوا: يا نبيّ اللَّه، جعلنا اللَّه فداءك، ماذا يصلح لنا من الأشربة؟ فقال:"لا تشرَبوا في النّقير". قالوا: يا نبي اللَّه، جعلنا اللَّه فداءك، أو تدري ما النّقير؟ قال: نعم الجِذْع يُنقرُ وسطه، ولا في الدّبّاء، ولا في الحنتمة، وعليكم بالموكَى".
وقوله: "إنّ أبا نضرة وحسنًا أخبرهما" قال ابن الصّلاح في صيانة صحيح مسلم (ص ١٥٩ - ١٦١): "إحدى المعضلات، ولا عضال ذلك وقع فيه تغييرات من جماعة واهمة، فمن ذلك: رواية أبي نعيم الأصبهاني الحافظ في مستخرجه على كتاب مسلم بإسناده: أخبرني أبو فزعة، أنّ أبا نضرةَ وحسنًا أخبرهما أنّ أبا سعيد الخدريّ، وهذا يلزم منه أن يكون أبو قزعة هو الذي أخبر أبا نضرة وحسنًا عن أبي سعيد، فيكون أبو قزعة هو الذي سمع من أبي سعيد ذلك. وذلك منتفٍ، واللَّه أعلم.
ومن ذلك: أنّ أبا عليّ الغسّاني صاحب "تقييد المهمل" ردّ رواية مسلم هذه، وقلّده في ذلك صاحب "المُعِلمِ"، ومن شأنه تقليده فيما يذكره من علم الأسانيد، مع أنه لا يسمّيه ولا ينصفه، وصوّبهما في ذلك القاضي أبو الفضل عياض بن موسى، فقال أبو عليّ: الصّواب في الإسناد عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو قزعة، أن أبا نضرةً وحسنًا أخبراه، أنّ أبا سعيد أخبره. وذكر أنه إنما قال:"أخبره" ولم يقل: "أخبرهما"؛ لأنّه ردّ الضّمير إلى أبي نضرة وحده، وأسقط الحسن لموضع الإرسال، فإنّه لم يسمع من أبي سعيد الخدريّ ولم يلْقَه، وذكر أنّه بهذا اللّفظ الذي ذكره خرّجه أبو عليّ بن السّكن في "مصنّفه" بإسناده قال: وأظنُّ هذا من إصلاح ابن السَّكن.