قلت: وفيه علَّتان: إحداهما محمد بن إسحاق فإنه مدلس وقد عنعن. والثانية: ابن عبد الله بن أُنَيس، يقال هو: عبد الله بن عبد الله ترجمه البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا. وذكره ابن حبان في "الثقات"(٥/ ٣٧).
فأما العلة الأولى وهي تدليس ابن إسحاق فقد صرَّح به في مسند الإمام أحمد (١٦٠٤٧)، وابن خزيمة (٩٨٣)، وابن حبان (٧١٦٠) كلهم من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير به في حديث طويل وهذا نصُّ الإمام أحمد:
قال: دعاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنَّه قد بلغني أنَّ خالد بن سفيان بن نُبَيح الهُذَلي، يجمَعُ لي الناس ليغزُوَني وهو بعُرَنة، فأتِهِ فاقتُلْه" قال: قلتُ: يا رسول الله! انعتْهُ لي حتَّى أعرفَه، قال:"إذا رَأَيْتَهُ وَجَدْتَ لهُ إقْشَعْريرةً". قال: فخرجتُ متوشِّحًا بسيفي حتَّى وقعتُ عليه، وهو بعُرَنَة مع ظُعُنٍ يرتادُ لهن منزلًا، وحين كان وقتُ العصر، فلما رأيتُه وجدتُ ما وصَفَ لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الإقشعريرة، فأقبلتُ نحوه، وخشيتُ أن يكون بيني وبينه محاولةٌ تشغلُني عن الصلاة، فصليتُ وأنا أمشي نحوه أومئ برأسي الركوع والسجود، فلمَّا انتهيتُ إليه، قال: من الرجل؟ قلتُ: رجلٌ من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل، فجاءك لهذا. قال: أجل أنا في ذلك. قال: فمشيتُ معه شيئًا، حتَّى إذا أمكَنَني حَمَلْتُ عليه السيف حتَّي قتلتُه، ثم خرجتُ، وتركت ظعائنَه مُكِبّاتٍ عليه، فلمَّا قدِمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني، فقال:"أَفْلَحَ الوَجْهُ"، قال: قلتُ: قتلتُه يا رسول الله! قال: "صدَقْتَ" قال: ثم قام معي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فدخل بي بيته، فأعطاني عصًا، فقال:"أمْسِكْ هذِهِ عِنْدَكَ، يا عبد الله بن أُنَيْس"، قال: فخرجتُ بها على الناس، فقالوا: ما هذا العصا؟ قال: قلتُ: أعطانيها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمرني أن أُمسكها، قالوا: أوَ لا ترجِعُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتسألَه عن ذلك؟ قال: فرجعتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلتُ: يا رسولَ الله! لم أعطَيْتَني هذه العصا؟ قال:"آيَةُ بيني وبَيْنَكَ يومَ القِيَامَةِ، إنَّ أقْلَّ النَّاس المُتَخَصِّرُونَ يومئذٍ" قال: فقَرَنها عبد الله بسيفه، فلم تزل معه حتى إذا مات أمر بها فصُبَّتْ معه في كفنه، ثم دُفنا جميعًا. واللفظ لأحمد ومثله عند ابن حبان، وأما ابن خزيمة، فأحال على لفظ عبد الوارث.
وأما العلة الثانية وهي جهالة ابن عبد الله بن أُنَيس فهو لم ينفرد به في أصل القصة، بل تابعه أكثر من واحد، كما أن له إسنادًا آخر عند البيهقي في "الدلائل"(٤/ ٤٠، ٤١) وبهذه المتابعات والطرق يصل الإسناد إلى الحسن، إن شاء الله تعالي.
وقولي: زاد رزين: ذكره ابن الأثير في "جامع الأصول"(٥/ ٧٥٠).