ولا يُعل بما رواه البيهقي (٣/ ٣٣٠) من طريق سليمان الشيباني، عن الحكم بن عُتيبة موقوفًا، ومن طريق الحسين بن الحر مرفوعًا. والحسن بن الحر ثقة فاضل فزيادته مقبولة.
يرى البيهقي رحمه الله تعالى بناء على توحيد القصة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الكسوف يوم توفي ابنه إبراهيم ركعتين في كل ركعة ركوعين فقال:"من نظر إلى هذه القصة وفي القصة التي رواها أبو الزبير، عن جابر علم أنها قصة واحدة، وأن الصلاة التي أخبر عنها إنما فعلها يوم توفي إبراهيم بن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد اتفقت رواية عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة، ورواية عطاء ابن يسار، وكثير بن عباس، عن ابن عباس، ورواية أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو، ورواية أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما صلَّاها ركعتين في كل ركعة ركوعين، وفي حكاية أكثرهم قوله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ أن الشمسُ والقمر آيتان من آيات الله، لا تنخسفان الموت أحد، ولا لحياته دلالة على انه إنما صلاها يوم توفي ابنه، فخطب، وقال هذه المقالة ردًّا القولهم: إنما كسفتْ لموته. وفي اتفاق هؤلاء العدد مع فضل حفظهم دلالة على أنه لم يزد في كل ركعة على ركوعين، كما ذهب إليه الشافعي ومحمد بن إسماعيل البخاري رحمهما الله تعالي" انتهى. انظر:"السنن الكبرى"(٣/ ٣٢٦).
قلت: يرى البيهقي رحمه الله تعالى، وقبله ابن عبد البر أنَّ الصّحيح من صلاة الكسوف ركعتان، في كل ركعة ركوعان كما في حديث عائشة وغيرها.
وهو أصح ما في هذا الباب، والروايات التي تُخالفه مثل: في كل ركعة ثلاث ركوعات، أو أربع ركوعات، أو خمس ركوعات فكلها شاذة ومعلولة. وفيه نظر؛ فإن الروايات الصحيحة التي فيها الزيادات لا يحكم عليها بالشذوذ؛ لاحتمال أنَّ الذي ذكر الزيادة حضر من بداية الصلاة، والذي ذكر ركعتين في ركعة لعله حضر في وسط الصّلاة، أو أنها صلاة صلاها في وقت آخر، فإن البعض من هذه الصلوات لم يذكر فيها قوله - صلى الله عليه وسلم -: إن الشّمس والقمر آيتان من آيات الله ... إلخ" والله تعالى أعلم.
وإلى بعض هذه التأويلات يشير البيهقي (٣/ ٣٣١) قائلًا: "ومِن أصحابنا من ذهب إلى تصحيح الأخبار الواردة في هذه الأعداد، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها مرَّاتٍ، مرة ركوعين في كل ركعة، ومرة ثلاث ركوعات في كل ركعة، ومرة أربع ركوعات في كل ركعة، فأدَّى كل منهم ما حفظ، وإن الجميع جائز، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يزيد في الركوع إذا لم ير الشمس قد تجلت. ذهب إلى هذا إسحاق ابن راهويه، ومِن بعدِه محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الصبغي، وأبو سليمان الخطابي، واستحسنه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر صاحب الخلافيات، والذي أشار إليه الشافعي من الترجيح أصح" انتهى.
قلت: ذهب الشافعي والبخاري وغيرهما من أهل العلم إلى ترجيح الروايات بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُصل إلا مرة واحدة، يوم توفي ابنه إبراهيم، في كل ركعة ركوعان وسجودان. وهو اختيار شيخ