للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في الكامل (٤/ ١٦١٦)، وساق لعبد الرحمن أحاديث وقال: "هو مستقيم الحديث، والذي أُنكر عليه حديث الاستخارة وقد رواه غير واحد من الصحابة كما رواه ابن أبي الموال". قال الحافظ: يريد أن للحديث شواهد، ثم ذكر بعض تلكَ الشواهد.

قلت: ولعلَّ المراد بالمنكر هنا تفرد عبد الرحمن بن أبي الموال، عن محمد بن المنكدر؛ لأن الإمام أحمد يستعمل كلمة "منكر" للتفرد أحيانًا ولو كان المتفرد ثقة، وإلا فالحديث صحيح، لأن عبد الرحمن بن أبي الموال وثَّقه ابن معين وابن المديني وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم فلا يضر تفرده، كما هو مقرر في علوم الحديث.

وأما كونه يكرر الاستخارة سبع مرات حتى ينشرح صدره فلم يثبت.

وما رُوي فيه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أنس! إذا هممتَ بأمر فاستخر ربَّك فيه سبع مرات، ثم انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك، فإن الخير فيه" فهو ضعيف.

رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (٥٩٨) عن أبي العباس بن قتيبة العسقلاني، حدثنا عبيد الله بن الحميري، ثنا إبراهيم بن البراء بن النضر بن أنس بن مالك، ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه قال: (فذكر الحديث).

قال النووي في "الأذكار" (٣٥٨): "إسناده غريب، فإن فيه من لا نعرفهم".

قلت: وفيه إبراهيم بن البراء بن النضر وهو ضعيف جدًّا. قال ابن عدي: "إبراهيم بن البراء هذا أحاديثه التي ذكرتها، وما لم أذكرها كلها مناكير موضوعة، ومن اعتبر حديثه علم أنه ضعيف جدًّا، وهو متروك الحديث" الكامل (١/ ٢٥٤).

والراوي عنه عبيد الله بن الحميري لا يعرف من هو؛ ولذا قال الحافظ ابن حجر: إسناده واه جدًّا.

وأما ماذا يفعل المستخير بعد الاستخارة؟ فللعلماء فيه رأيان:

الأول: يفعل ما بدا له، ويختار أي جانب شاء من الفعل والترك وإن لم ينشرح صدره لشيء منهما، فإن فيما يفعله فيه خير ونفع فلا يوفق إلا لجانب الخير.

والثاني: يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له صدره حتى أنه يستحب له تكرار الصلاة والدعاء في الأمر الواحد إذا لم يظهر له وجه الصواب. وهو اختبار النووي في "الأذكار".

وقد رجّح الشوكاني وغيره الرأي الأول، فقال: "فلا ينبغي أن يعتمد على انشراح كان له فيه هوي قبل الاستخارة، بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأسًا، وإلا فلا يكون مستخيرًا لله، بل يكون مستخيرًا لهواه، وقد يكون غير صادق في طلب الخيرة، وفي التبري من العلم والقدرة وإثباتهما لله تعالى، فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة، ومن اختياره لنفسه". "النيل" (٢/ ٢٩٨).

وهو من ترجيحات شيخ الحديث عبيدالله الرحماني رحمه الله في "المرعاة" (٤/ ٣٦٥) حيث قال: "والراجح عندي قول من ذهب إلى أنه يفعل المستخير بعد الاستخارة ما بدا له واتفق، فليس

<<  <  ج: ص:  >  >>