الحديث كما قال أبو حاتم. وفي "التقريب": "صدوق، اختلط أخيرًا، ولم يتميَّز حديثه فتُرك".
ولكن قال البيهقي (٢/ ٤٦٤) بعد أن نقل الحديث من طريق أبي داود، ونقل قوله بأنَّه مرسل، قال:"وله شواهد، وإن كانت أسانيدها ضعيفةً". فذكر من شواهده حديث أبي هريرة أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة نصف النهار حتَّى تزول الشمس إلَّا يوم الجمعة.
وأخرجه من طريق الشافعي قال: أنبأنا إبراهيم بن محمد، عن إسحاق بن عبد الله، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، فذكر مثله.
قلت: فيه إبراهيم بن محمد، وهو ابن أبي يحيي، شيخ الشافعي، وهو ضعيف جدًّا، بل كذَّبه ابن معين، وشيخه إسحاق بن عبد الله، وهو ابن أبي فروة، قال فيه أبو حاتم وأبو زرعة والنسائي والدارقطني:"متروك". وقال البخاري:"تركوه".
ثمَّ روى البيهقي حديث أبي هريرة من وجهٍ آخر بلفظ:"تحرم -يعني الصلاة- إذا انتصف النهار إلَّا يوم الجمعة". بإسناده عن شيخ من أهل المدينة، يقال له: عبد الله، عن سعيد، عن أبي هريرة.
ثمَّ قال:"ورُوي في ذلك عن أبي سعيد الخدري، وعمرو بن عبسة، وابن عمر مرفوعًا.
والاعتماد على أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - استحبَّ التبكير إلى الجمعة، ثمَّ رغَّب في الصلاة إلى خروج الإمام من غير تخصيص ولا استثناء، نذكرها إن شاء الله في كتاب الجمعة".
ثمَّ قال:"وروينا الرخصة في ذلك عن طاوس ومكحول" انتهى.
قلت: هذا مذهب الشافعي ومن وافقه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال الحافظ ابن القيم في "الزاد"(١/ ٣٧٨): أنَّه "لا يُكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال عند الشافعي -رحمه الله- ومن وافقه، وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية. ولم يكن اعتماده على حديث ليث، عن مجاهد، عن أبي الخليل، عن أبي قتادة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنَّه كره الصلاة نصف النهار إلَّا يوم الجمعة، وإنَّما كان اعتماده على أنَّ من جاء إلى الجمعة يُستحب له أن يصلي حتى يخرج الإمام، وفي الحديث الصحيح: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهَّر ما استطاع من طهر، ويدَّهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثمَّ يخرج، فلا يفرِّق بين اثنين، ثمَّ يصلي ما كُتب له، ثمَّ يُنصت إذا تكلَّم الإمام، إلَّا غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى". رواه البخاري، فندبه إلى الصلاة ما كُتب له، ولم يمنعه عنها إلَّا في وقت خروج الإمام، ولهذا قال غير واحدٍ من السلف، منهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وتبعه عليه الإمام أحمد: خروج الإمام يمنع الصلاةَ، وخطبته تمنع الكلام. فجعلوا المانع من الصلاة خروج الإمام. لا انتصاف النهار.
وأيضًا، فإنَّ الناس يكونون في المسجد تحت السقوف، ولا يشعرون بوقت الزوال، والرجل يكون متشاغلًا بالصلاة لا يدري بوقت الزوال، ولا يمكنه أن يخرج، ويتخطَّى رِقاب الناس، وينظر إلى الشمس ويرجع، ولا يُشرع له ذلك". انتهى.