عن محمد بن بشّار: حدّثنا محمد بن جعفر غندر، حدثنا شعبة، عن أبي عمران، قال: سمعت أنس بن مالك، فذكره.
ورواه مسلم من وجه آخر عن معاذ بن معاذ العنبريّ، عن شعبة وفيه:"قد أردتُ منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم، أن لا تشرك بي -أحسبه قال: ولا أُدخلك النار- فأبيتَ إِلَّا الشّرك".
وفي رواية عنده من وجه آخر:"سئلتَ ما هو أيسر من ذلك".
قوله:"قد أردت منك" أي أحببت منك، والإرادة في الشرع تطلق ويراد بها ما يعمّ الخير والشّر، والهدى والضلال، كما في قوله تعالى:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}[سورة الأنعام: ١٢٥]. وهذه الإرادة لا تتخلّف. وتطلق أحيانًا ويراد بها ما يرادف الحبّ والرّضا، كما في قوله تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[سورة البقرة: ١٨٥]، وهذا المعنى هو المراد من قوله تعالى في هذا الحديث:"أردتُ منك" أي أحببتُ، والإرادة بهذا المعنى قد تخلف، لأن اللَّه تبارك وتعالى لا يجبر أحدًا على طاعته -وإن كان خلقهم من أجلها-: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[سورة الكهف: ٢٩]، وعليه فقد يريد اللَّه تبارك وتعالى من عبده ما لا يحبه منه، ويحب منه ما لا يريده، وهذه الإرادة يسميها ابن القيم رحمه اللَّه تعالى بالإرادة الكونيّة أخذًا من قوله تعالى:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[سورة يس: ٨٢]، ويسمي الإرادة الأخرى المرادفة للرّضا بالإرادة الشّرعية.
وقوله:"وأنت في صلب آدم" قال القاضي عياض: "يشير بذلك إلى قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية [الأعراف: ١٧٢]، فهذا الميثاق الذي أُخذ عليهم في صلب آدم، فمن وفي به بعد وجوده في الدنيا فهو مؤمن، ومن لم يوف به فهو كافر، فمراد الحديث: أردتُ منك حين أخذت الميثاق، فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إِلَّا الشّرك" ذكره في الفتح". انظر: السلسلة الصحيحة (١/ ١٢٣ - ١٢٤).
• عن هشام بن حكيم: أنّ رجلًا أتى النّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، أنبتدئ الأعمال أم قُضي القضاء؟ فقال رسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنّ اللَّه عزّ وجلّ أخذ ذرية آدم من ظهره، وأشهدهم على أنفسهم، ثم أفاض بهم في كفيه فقال: هؤلاء للجنة، وهؤلاء للنّار، فأهل الجنة ميسّرون لعمل أهل الجنة، وأهل النّار ميسّرون لعمل أهل النّار".
حسن: رواه الفريابي في القدر (٢٢) وعنه الآجري في الشريعة (٣٣٠)، وابن أبي عاصم في السنة (١٦٨) كلهم من حديث عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصيّ، حدثنا بقية بن