فمن أنكر هاتين المسألتين فإنما ينكر على المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنّ الأئمّة كانوا يمرون على هذه الأحاديث ولا يتعرضون لها بتأويل ولا بتحريف.
• عن البراء بن عازب، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"إنّ العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، أنزل اللَّه إليه ملائكة من السماء -فساق الحديث كما سيأتي بكامله في إثبات عذاب القبر- فيخرج روحه، فيصعدون به حتى ينتهوا به إلى السماء، فيستفتح فيفتح له، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، فيقول اللَّه عزّ وجلّ: اكتبوا كتاب عبدي في عليين في السماء السابعة، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، وأما الكافر قال: ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتحون فلا يُفتح له، ثم قرأ:{لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}[سورة الأعراف: ٤٠] ". . . فذكر الحديث.
صحيح: رواه أبو داود (٤٧٥٣) عن هناد بن السّريّ -وهو في زهده (٣٣٩) - والإمام أحمد (١٨٥٣٤) كلاهما -أعني هنّادًا والإمام أحمد- عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء.
انظر تخريجه كاملًا في إثبات عذاب القبر.
وقول اللَّه تعالى:{لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}: دلالة ظاهرة أن اللَّه عزّ وجلّ فوق السماء؛ لأنّ أبواب السماء إنما تفتح لأرواح المؤمنين لرفع أعمالهم إلى اللَّه عزّ وجلّ.
• عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، يبلغ به النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"الرّاحمون يرحمهم الرحمن، ارْحمُوا أهلَ الأرض يرحمْكم من في السماء".
حسن: رواه أبو داود (٤٩٤١)، والترمذيّ (١٩٢٤) كلاهما من حديث سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي قابوس مولى لعبد اللَّه بن عمرو، عن عبد اللَّه بن عمرو، فذكره، واللّفظ لأبي داود.
ومن هذا الوجه أخرجه أيضًا الإمام أحمد (١٤٩٤)، والدّارميّ في "الرّد على الجهميّة"(٦٩)، وصحّحه الحاكم (٤/ ١٥٩) وزاد البعض بعد قوله: "من في السّماء": "الرّحم شُجنة من الرحمن فمن وصلها وصله اللَّه، ومن قطعها قطعه اللَّه". قال الترمذيّ:"حسن صحيح".
وجعل الحاكم هذا الحديث وما في الباب كلّها صحيحة.
قلت: إنّما هو حسن فقط من أجل أبي قابوس، ذكره ابن حبان في الثقات (٥/ ٥٨٨)، وترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(٩/ ٥٨٩)، والبخاريّ في "التاريخ الكبير"(٧/ ١٩٤) وهو لا يرتقي إلى درجة "الثقة"، ولكن لا بأس به في الشّواهد؛ لأنه أتي بما يوافق عليه الثقات، ولذا صحّحه الترمذيّ والحاكم، وقال الذهبي في "الميزان": "لا يعرفه"، وأقرّ في "العلو"(١٤)