ومعنى قوله:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} علا على العرش.
قال ابن عباس:"الكرسيّ موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحدٌ قدره".
رواه الحاكم (٢/ ٢٨٢) وصحّحه وقال: على شرط الشيخين، وأورده الذهبي في "العلو"(١٤٨) وقال: "رواته ثقات".
ولما قبض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال أبو بكر الصدّيق -رضي اللَّه عنه-: "أيُّها النّاس إن كان محمد إلهكم الذي تعبدون فإنه قد مات، وإن كان إلهكم الذي في السماء فإنّ إلهكم حيٌّ لا يموت، ثم تلا:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}[سورة آل عمران: ١٤٤] ". رواه البزّار في البحر الزّخار (١٠٣) وقال الهيثميّ في "المجمع"(٩/ ٣٧ - ٣٨): "رواه البزّار، ورجاله رجال الصّحيح غير علي بن المنذر وهو ثقة".
قلت: وقد تُوبع، فقد رواه الدّارميّ في "الرّد على الجهميّة"(٧٨) عن عبد اللَّه بن أبي شيبة كلاهما -أعني علي بن المنذر، وعبد اللَّه بن أبي شيبة- عن محمد بن فضيل، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر، عن أبي بكر، فذكره. واللفظ للدارميّ، ولفظ البزّار أطول.
وقال ابن خزيمة:"نحن نؤمن بخبر اللَّه -جلّ وعلا- أنّ خالقنا مستوٍ على عرشه، لا نبدّل كلام اللَّه، ولا نقول قولًا غير الذي قيل لنا، كما قالت الجهمية المعطّلة: إنّه استولى على عرشه لا استوى، فبدّلوا قولًا غير الذي قيل لهم، لفعل اليهود كما أُمروا أن يقولوا: حطّة، فقالوا: حنطة، مخالفين لأمر اللَّه جلّ وعلا، كذلك الجهمية". كتاب التوحيد (١/ ٢٣٠).
وقال الحافظ الذهبيّ رحمه اللَّه تعالى في كتابه "العلو"(١/ ٧٨٦ - ٧٨٧): "ومما يدل على أن الباري تعالى عالٍ على الأشياء فوق عرشه المجيد غيرُ حالّ في الأمكنة، قوله تعالى:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[سورة البقرة: ٢٥٥]، وقال:{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[سورة سبأ: ٢٣]، وقال:{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}[سورة الرعد: ٩]، وقال:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}[سورة الأعلى: ١]. وقد أمرنا نبيُّنا أن نقول إذا سجدنا: "سبحان ربي الأعلى". وقال تعالى في وصف الشهداء:{أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ}[سورة آل عمران: ١٦٩]، وقالت امرأة فرعون:{رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ}[سورة التحريم: ١١].
وفي الصّحيحين -كذا قال- (والصّواب عند أبي داود (٣٨٥٤)، وأحمد (١٢٤٠٦): أنّ النّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- دعا لقوم فقال: "أكلَ طعامَكم الأبرار، وأفطر عندكم الصّائمون، وصلّت عليكم الملائكة، وذكركم اللَّه فيمن عنده".