لم يتمتع بالإفطار لإمساكه عن الطعام والشراب. وقد يحتمل أن يكون معناه: الدعاء عليه كراهية لصنيعه، وزجرًا له عن ذلك، ويشبه أن يكون الذي نهى عنه من صوم الدهر هو أن يسرد الصيام أيام السنة كلّها، لا يفطر فيها الأيام المنهي عن صيامها. قاله الخطابيّ.
ولكن الذي يتبادر إلى الذهن أن السائل سال عن صيام الدّهر غير الصيام المنهي عنه، فكان الجواب من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا صام ولا أفطر" أي ليس لعمله هذا ثواب بخلاف صيام المنهي عنه فإن عليه العقاب.
ثم تفضيل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صيام داود عليه السلام وهو صيام يوم وإفطار يوم دليل واضح على كراهية سرد الصيام طول الدهر، فلا يمح من ذهب إلى أن من أفطر أيام المنهي عنها من الصيام، ثم صام بقية الأيام طول الدهر فلا حرج فيه.
بل نقول: لا يزال في حرج للنهي العام عن صيام الدّهر.
وقد ذهب الإمام أحمد في رواية عنه، وإسحاق، وأهل الحديث، وأهل الظاهر إلى كراهية صوم الدّهر متمسكين بظاهر هذه الأحاديث.
وقد روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح -كما قال الحافظ في الفتح (٤/ ٢٢٢) - عن عمرو الشيباني، قال: بلغ عمر أن رجلا يصوم الدهر، فأتاه فعلاه بالدّرة، وجعل يقول: "كلْ يا دهريّ".
ومن طريق أبي إسحاق أن عبد الرحمن بن أبي نعيم كان يصوم الدهر، فقال عمرو بن ميمون: لو رأى هذا أصحابُ محمد - صلى الله عليه وسلم - لرجموه".
وفي الباب ما رُوي عن عبيد الله بن مسلم القرشيّ، عن أبيه، قال: سألت. أو سُئل -النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن صيام الدّهر؟ فقال: "إنّ لأهلك عليك حقًّا، صمْ رمضان والذي يليه، وكلّ أربعاء وخميس، فإذا أنت قد صمت الدّهر".
رواه أبو داود (٢٤٣٢)، والترمذيّ (٧٤٨) كلاهما من حديث عبيد الله بن موسى، أخبرنا هارون ابن سلمان، عن عبد الله بن مسلم، عن أبيه، قال: فذكر الحديث.
قال الترمذي: "حديث مسلم القرشي حديث غريب، وروى بعضهم عن هارون بن سلمان، عن مسلم بن عبيد الله، عن أبيه".
وعبيد الله بن مسلم القرشي أو مسلم بن عبيد الله القرشي. قال الحافظ: وهو الأشهر، كذا في التقريب. وكذلك رجع البغوي وغير واحد أنه مسلم بن عبيد الله كذا في "التهذيب". وذكره ابن حبان في "الثقات" ولم يرو عنه غير هارون بن سلمان فهو في عداد المجهولين.
وفي "الإصابة": "مسلم بن عبيد الله القرشي، وقيل: عبيد الله بن مسلم، وقيل: إنه مسلم بن مسلم حديثه في صيام الدهر يدور على هارون بن سلمان الفراء".
قوله: "والذي يليه" يدخل فيه شوال كله، أو لعله يقصد به ستًا من شوال كما جاء في الأحاديث