وروي عن أبان بن أبي عياش، عن أبي تميمة مرفوعًا. قال همام: فقلت له: فإنّ قتادة لم يرفعه؟ فقال: أبان أخبرني في بيتي مرفوعًا. رواه عبد بن حميد (٥٦٣، ٥٦٤).
ولكن أبان بن أبي عياش متروك الحديث كما قال الإمام أحمد.
ولكن الذين ذهبوا إلى ترجيح الوقف قالوا: حكمه الرفع لأن فيه إخبارًا عن الغيبيات. فرجع الأمر إلى ترجيح المرفوع، وإن كان الوقف أقوى سندًا، ولكن الرفع فيه زيادة علم، كما أن مثله لا يقال بالرّأي.
وأما معنى الحديث فنقل ابن خزيمة عن المزني معني غريبًا مخالفًا لما يدل عليه الحديث من كراهية صوم الدّهر، فقال: الله أن يكون معناه: أي ضيقت عنه جهنم فلا يدخل جهنم، ولا يشبه أن يكون معناه غير هذا؛ لأنّ من ازداد الله عملًا وطاعة ازداد عند الله رفعة، وعليه كرامة وإليه قربة".
وقد ردّه ابن حزم بقوله: "وهذه لكنة وكذب. أما اللكنة، فإنه لو أراد هذا لقال: "ضيقت عنه"، ولم يقل: "عليه".
وأما الكذب، فإنما أورده رواته كلّهم على التشديد والنهي عن صومه".
والمعنى الصحيح أنّ جهنّم تضيّق عليه، كما قال الحافظ في "الفتح" (٤/ ٢٢٢): "حصرًا له فيها لتشديده على نفسه، وحمله عليها، ورغبته عن سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، واعتقاده أن غير سنته أفضل منها، وهذا يقتضي الوعيد الشديد، فيكون حرامًا".
وفي الباب ما رُوي عن أسماء بنت يزيد، قالت: أُتي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بشراب، فدار على القوم، وفيهم رجل صائم، فلما بلغه قال له: "اشرب، فقيل: يا رسول الله، إنه ليس يُفطر - أو يصوم الدّهر-، فقال يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صام من صام الأبد".
رواه الإمام أحمد (٢٧٥٧٦)، والطبراني في "الكبير" (٢٤/ ١٧٩) كلاهما من حديث حسن بن موسي، قال: حدّثنا شيبان، عن ليث، عن شهر، عن أسماء بنت يزيد، فذكرته.
وليث هو ابن أبي سليم سيء الحفظ، اختلط في آخره فكان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم.
ولعل هذا منها فإنّ أحدًا من الثقات لم يرو هذا الحديث عن أسماء بنت يزيد، وهي أنصارية أوسية، شهدت اليرموك، وقتلت يومئذ تسعة من الروم، وعاشت بعد ذلك دهرًا.
وترجمها ابن عبد البر في "الاستيعاب": "أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، أحد نساء بني عبد الأشهل، وهي من المبايعات وهي ابنة عمة معاذ بن جبل، نكني أم سلمة، وقيل: أمّ عامر، كانت من ذوات العقل والذين". وشهر هو ابن حوشب، وفيه كلام معروف.
وقوله: "لا صام ولا أفطر" أي لم يصم ولم يفطر، كقوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} [القيامة: ٣١] أي لم يصدق ولم يصل، أي لم يحصل له أجر الصوم لمخالفة هدي النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يفطر أي