وهذه الطرق أخرجها البيهقي (٤/ ٣١٥) وقال في "المعرفة" (٦/ ٣٩٥): "ويشبه أن يكون من قول مَنْ دون عائشة".
وقد أطال الحافظ ابن القيم في دراسة هذا الحديث في "تهذيب السنن" (٣/ ٣٤٣ - ٣٤٩) ولكن لم يظهر لي ترجحه فإنه في نهاية البحث أعاد كلام الدارقطني بأنه مدرج من كلام الزهري.
وفي الباب أيضًا عن ابن عباس أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه".
رواه الدارقطني (٢٣٥٥) عن محمد بن إسحاق السوسي من كتابه، حدثنا عبد الله بن محمد بن نصر الرملي، حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن أبي سُهيل عمّ مالك بن أنس، عن طاوس، عن ابن عباس، فذكره.
ورواه الحاكم (١/ ٤٣٩) وعنه البيهقي (٤/ ٣١٩) كلاهما من طريق محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، بإسناده، مثله.
قال الدارقطني: "رفعه هذا الشيخ، وغيرُه لا يرفعه".
اختلف في قوله: "رفعه هذا الشيخ" هل يقصد به شيخه وهو محمد بن إسحاق السوسي فإنه ثقة، أو شيخ شيخه وهو عبد الله بن محمد بن نصر الرَّملي وهو مجهول.
فجعل البيهقي المراد من هذا الشيخ هو "عبد الله بن محمد بن نصر الرّملي"، وقال: "رواه أبو بكر الحميدي عن عبد العزيز بن محمد بإسناده" وذكر فيه قصة قال فيه طاوس: كان ابن عباس لا يرى على المعتكف صيامًا إلا أن يجعله على نفسه.
قال البيهقي: هذا هو الصحيح موقوف ورفعه وهم. وكذلك رواه عمرو بن زرارة عن عبد العزيز موقوفًا" انتهى.
فقه الحديث:
يستفاد من أحاديث هذا الباب بأنه ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجب على نفسه؛ لأنّ الاعتكاف والصوم عبادتان مستقلتان لا تلازم بينهما.
والأحاديث الواردة باشتراط الصوم كلّها ضعيفة.
ولذا اختلف أهل العلم في اشتراط الصوم وعدمه:
فذهب الشافعي وأحمد في الرواية المشهورة عنه، أن الصوم فيه مستحب غير واجب. وهو مروي عن علي وابن مسعود وغيرهما من الصحابة.
وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنه، إلى اشتراط الصوم في الاعتكاف. وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس كما أخرجه عبد الرزاق، وعن عائشة نحوه. إلا أنه اختلف النقل عن ابن عباس، فقال مرة: هو واجب، وأخرى أنه يجب على من أوجبه على نفسه.
واحتجّ بعض أهل العلم بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يعتكف إلا بصوم.