وأيضًا فيه أبوه كنانة بن العباس بن مرداس، لم يرو عنه سوى ابنه عبد الله، ولذا قال فيه أيضًا الحافظ: "مجهول".
وقال ابن حبان في ترجمة كنانة بن العباس بن مرداس السلمي في المجروحين (٢/ ٢٣٤): "يروي عن أبيه، روى عنه ابنه، منكر الحديث جدًا. فلا أدري التخليط في حديثه منه أو من ابنه، ومن أيهما كان فهو ساقط الاحتجاج بما روى، لعظم ما أتي من المناكير عن المشاهير".
ثم أعاد ذكره في "الثقات" (/ ٣٣٩) من التابعين فتناقض.
وقال البيهقيّ: "هذا الحديث له شواهد كثيرة، وقد ذكرناها في كتاب "البعث" فإن صحّ بشواهده فقيه الحجة، وإن لم يصح فقد قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [سورة النساء: ٤٨]، وظلم بعضهم بعضًا دون الشرك" انتهى.
وفيه إشارة إلى ضعف الحديث حتى بشواهده.
وبالغ ابن الجوزيّ فأدخل هذا الحديث في كتابه "الموضوعات" (٢/ ٢١٤) بناء على كلام ابن حبان في كنانة بن العباس، ولعله لم يقف على كلام ابن حبان في "الثقات".
والخلاصة أنه ضعيف لا موضوع؛ ولذا تعقبه الحافظ ابن حجر في "القول المسدّد" (الحديث السابع)، وذكر له شواهد، ولكن كلها ضعيفة لا يسلم منها شيء، ثم إن هذا الحديث مع ضعفه يدل على عموم غفران الذنوب لمن شهد الموقف منها حقوق العباد.
وقد جاء في الصحيح في قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [سورة الحجر: ٤٧] قال: "يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص بعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدّنيا، حتى إذا هُذِّبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدي بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا".
رواه البخاريّ في الرقاق (٦٥٣٥) عن الصلت بن محمد، حدثنا يزيد بن زريع، فقرأ الآية الكريمة، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي المتوكل الناجي، أن أبا سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فذكر الحديث).
وقد روي بخلاف حديث العباس بن مرداس:
عن أنس بن مالك قال: وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة يوم عرفة، وكادت الشّمس أن تغرب فقال: "يا بلال، أنصت لي الناس". فقام بلال: فقال: يا معشر الناس أنصتوا. فقال: "أتاني جبريل -عليه السلام- آنفًا، فأقرأني من ربّي السلام، وقال: إنّ الله قد غفر لأهل عرفات ما خلا التّبعات. أفيضوا باسم الله".
رواه العقيليّ في ترجمة (شبويّه المروزيّ) عن ابن المبارك وقال: "حديثه منكر غير محفوظ".
وقال: وقد روي في هذا المعنى بخلاف هذا اللفظ حديث العباس بن مرداس، وحديث ابن عمر وغيره. وأسانيدها لينة، وفيه عن عائشة وجابر بإسنادين صالحين" انتهى. انظر: "الضعفاء" (٢/ ١٩٦ - ١٩٧).