ومن هنا يعرف تساهل المنذريّ في قوله بعد أن أخرج حديث ابن عباس من مسند الإمام أحمد: "بإسناد صحيح".
وفي الباب ما رُوي عن طلحة بن عبد الله بن كريز، أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما رؤي الشيطانُ يومًا هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا لما رأى من تنزيل الرّحمة، وتجاوز الله عن الذّنوب العظام إلّا ما أُرى يوم بدر". قيل: وما رأي يوم بدر يا رسول الله؟ قال: "أما إنّه قد رأى جبريل يزع الملائكة".
رواه مالك في الحجّ (٢٤٥) وعنه عبد الرزاق (٨٨٣٢) عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن طلحة بن عبيد الله، فذكره. وهو مرسل.
وقوله: "أدحر" بالدال والحاء المهملة - أي أبعد وأذلّ. قال الله تعالى: {فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (٣٩)} [سورة الإسراء: ٣٩] أي مبعدًا من رحمة الله.
وفي الباب عن عباس بن مرداس السلميّ قال: إنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - دعا لأمّته عشية عرفة بالمغفرة فأجيب: "إنّي قد غفرت لهم ما خلا الظالم، فإني آخذ للمظلوم منه". قال: "أي ربِّ إنْ شئتَ أعطيتَ المظلوم من الجنة. وغفرت للظالم". فلم يجب عشيته، فلمّا أصبح بالمزدلفة أعاد الدّعاء. فأُجيب إلى ما سأل. قال: فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أو قال: تبسّم-. فقال له أبو بكر وعمر: بأبي أنت وأمي إنّ هذه لساعة ما كنت تضحك فيها! . فما الذي أضحكك؟ أضحك الله سنَّك. قال: "إنّ عدو الله إبليس لما علم أن الله عزّ وجلّ قد استجاب دعائي وغفر لأمتي أخذ التراب فجعل يحثوه على رأسه ويدعو بالويل والثبور. فأضحكني ما رأيت من جزعه".
رواه ابن ماجه (٣٠١٣) عن أيوب بن محمد الهاشميّ، قال: حدّثنا عبد القاهر بن السريّ السّلميّ، قال: حدّثنا عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس السلميّ، أنّ أباه أخبره، عن أبيه، أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - دعا، فذكره.
ورواه أبو داود (٥٢٣٤) واقتصر على قوله: "ضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له أبو بكر أو عمر: "أضحك الله سنك" وساق الحديث. هكذا قال أبو داود.
فقوله: "ساق الحديث" إشارة إلى ذكر الحديث كاملًا.
ورواه الإمام أحمد (١٦٢٠٧)، والبيهقي في شعب الإيمان (٣٤٦) بكامله كلّهم من طريق عبد القاهر بن السري بإسناده، مثله. إلا أنهم قالوا: عن ابن كنانة بن العباس.
وابن كنانة هو عبد الله كما جاء مصرحًا به عند ابن ماجه.
وأخرجه البخاريّ في تاريخه (٧/ ٢ - ٣) وقال: لم يصح حديثه.
قلت: وهو كما قال، فإنّ فيه عبد الله بن كنانة بن العباس، لم يرو عنه غير عبد القاهر، ولذا قال فيه الحافظ: "مجهول".