• عن عائشة، قالت: أفاض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من آخر يومه حين صلّي الظهر، ثم رجع إلى مني فمكث بها ليالي أيام التشريق ... الحديث.
حسن: رواه أبو داود (١٩٧٣) من طرق، عن أبي خالد الأحمر، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، فذكرته.
وإسناده حسن، فيه محمد بن إسحاق، وقد صرّح بالتحديث عند ابن حبان (٣٨٦٨)، كما سيأتي تخريجه تامًا بعد أبواب.
قول جابر: "فصلّي بمكة الظّهر" وفي حديث ابن عمر السابق أنه "رجع فصلّي الظّهر بمني".
فذهب بعض أهل العلم إلى ترجيح حديث جابر، ويؤيده حديث عائشة، فيما نقله عنهم الإمام ابن القيم في زاد المعاد (٢/ ٢٨٠ - ٢٨٣).
ومن أهل العلم من جمع بينهما كالنّووي في شرحه لصحيح مسلم (٨/ ١٩٢) حيث قال: "ووجه الجمع بينهما أنه - صلى الله عليه وسلم - طاف للإفاضة قبل الزوال، ثم صلّى الظهر بمكة في أوّل وقتها، ثم رجع إلى منى فصلّي بها الظّهر مرة أخرى بأصحابه حين سألوه ذلك، فيكون متنفلا بالظهر الثانية التي بمني ... ".
ونقله عنه الشّوكانيّ في "نيل الأوطار" (٣/ ٤٢٧) ثم قال: "وذكر ابن المنذر نحوه، ويمكن الجمع بأن يقال: إنه صلّى بمكة، ثم رجع إلى مني، فوجد أصحابه يصلون الظهر فدخل معهم متنقلًا؛ لأمره - صلى الله عليه وسلم - بذلك لمن وجد جماعة يصلّون وقد صلّي".
وأمّا ما رُوي عن عائشة، وابن عباس: أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أخّر طواف يوم النّحر إلى اللّيل فهو ضعيف.
رواه أبو داود (٢٠٠٠)، والترمذي (٩٢٠)، وابن ماجه (٣٠٥٩)، وأحمد (٢٦١١، ٢٦١٢)، والبيهقي (٥/ ١٤٤) كلّهم من طرق عن سفيان، عن أبي الزبير، عن عائشة، وابن عباس، فذكراه. قال الترمذي: حسن صحيح.
وهو كما قال، وظاهر الإسناد إلى ابن عباس صحيح، وأما إلى عائشة ففيه انقطاع بين أبي الزبير وعائشة، وفي الحديث أيضا علة خفية وهي أنه يخالف الأحاديث الصحيحة الثابتة التي سبق ذكرُها أفاضَ يوم النحر، وصلى الظهر بمنى، فلعل ذلك يعود إلى تدليس أبي الزبير بأنه سمع ذلك عن بعض الضعفاء ودلّسه.
قال الترمذيّ عقب ذكر الحديث: "وقد رخّص بعض أهل العلم في أن يؤخر طواف الزّيارة إلى اللّيل، واستحب بعضهم أن يزور يوم النحر، ووسْع بعضهم أن يؤخر ولو إلى آخر أيام مني" انتهى.
وأمّا من لم يطف يوم النّحر فهل يعود محرمًا؟ فالصحيح أنه لا يعود محرمًا وبه قال جمهور أهل العلم من الصّحابة والتابعين ومن بعدهم.
وأما ما رُوي عن أمّ سلمة رضي الله عنها فهو مخرَّج في المنة الكبرى (٤/ ٢٨٤ - ٢٨٨)، ولكن أعيده هنا لأهميته مع مزيد من التوضيح والتعليق.