قالت أمّ سلمة -رضي الله عنها-: كانت ليلتي التي يصير إليَّ فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مساء يوم النّحر، فصار إليَّ ودخل عليَّ وهبُ بن زمعة، ومعه رجل من آل أبي أميّة مُتقمِّصين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لوهب:"هل أفضتَ يا عبد الله؟ ". قال: لا والله يا رسول الله! قال - صلى الله عليه وسلم -: "انْزعْ عنك القميص". قال: فنزعه من رأسه، ونزع صاحبه قميصه من رأسه، ثم قال: لِمَ يا رسول الله؟ قال:"إنّ هذا يوم رُخَّص لكم إذا رميتم الجمرة أن تحلُّوا -يعني من كلّ ما حرمتم منه إلّا النساء، فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا هذا البيت صرتم حُرُمًا كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة، قبل أن تطوفوا به".
رواه أبو داود (١٩٩٩) عن الإمام أحمد ويحيى بن معين -المعنى واحد- وهو في مسنده (٢٦٥٣٠)، وابن خزيمة (٢٩٥٨)، والحاكم (١/ ٤٨٩)، والبيهقيّ (٥/ ١٣٧) كلّهم من حديث محمد بن أبي عدي، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، عن أبيه، وعن أمّه زينب بنت أبي سلمة، بحدّثانه ذلك جميعًا عن أمّ سلمة، قالت (فذكرته).
ومحمد بن إسحاق وإن كان صرَّح فإنه لا يقبل في السنن إذا انفرد كما قال الإمام أحمد.
قال أيوب بن إسحاق بن سامري: سألت أحمد فقلت له: يا أبا عبد الله إذا انفرد ابن إسحاق بحديث تقبل؟ قال: لا والله، إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد، ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا.
وقال أبو داود: سمعت أحمد وذُكر عنده محمد بن إسحاق فقال: كان رجلًا يشتهي الحديث، فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه.
وقال عبد الله: لم يكن يحتج به أبي في السنن.
وهذا الحديث مما انفرد به ابن إسحاق ولم يُعمل به. قال البيهقيّ:"لا أعلم أحدًا من الفقهاء يقول بذلك".
وأمّا أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، فقال ابن سعد: كان قليل الحديث. وقال أبو زرعة: لا أعرف أحدًا سمّاه، وكذلك قال أبو حاتم، ولم يذكر المزيّ توثيقه من أحد، بل قال الحافظ في "التقريب": "مقبول". وهو مشعر إلى جهالة حاله وإن كان روي له مسلم كما قال المزي عن عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد، عن أبيه، عن جده -يعني الليث-، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، أنه قال: أخبرني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، أنّ أمّه زينب بنت أبي سلمة أخبرته، أنّ أمها أمّ سلمة زوج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كانت تقول (فذكرت قصة رضاع الكبير).
قلت: أخرجه مسلم متابعًا لحديث حميد بن نافع يقول: سمعت زينب بنت أبي سلمة تقول: سمعت أم سلمة تقول (فذكر قصة سهلة بنت سهيل في إرضاع سالم).
فصحَّ قول الحافظ ابن حجر:"مقبول" أي إذا توبع، وقد توبع.
وأما في الحديث الذي أنا في صدده فمع تفرده وقع في إسناده اضطراب. فقد رواه أيضًا الإمام