أحمد (٢٦٥٣١) فقال: قال محمد (يعني ابن أبي عدي)، قال أبو عبيدة: وحدثتني أمّ قيس ابنة مِحصن -وكانت جارة لهم- قالت: خرج من عندي عُكاشة بن محصن في نفر من بني أسد متقمّصين عشيّة يوم النّحر، ثم رجعوا إليَّ عشاء، قمصُهم على أيديهم يحملونها. قالت: فقلت: أي عكاشة، مالكم خرجتم متقمِّصين، ثم رجعتم وقمصكم على أيديكم تحملونها؟ فقال: خيرًا يا أمَّ قيس، كان هذا يومًا قد رُخَّص لنا فيه إذا نحن رمينا الجمرة، حللنا من كل ما حُرمنا منه إلّا ما كان من النساء حتى نطوف بالبيت، فإذا أمسينا ولم نطُف به، صرنا حرمًا كهيئتنا قبل أن نرمي الجمرة، حتى نطوف به، فأمسينا ولم نطف، فجعلنا قُمُصنا كما ترين".
فجعل محمد بن أبي عدي يروي عن أبي عبيدة بدون ذكر محمد بن إسحاق بينه وبين أبي عبيدة، وأبو عبيدة يقول: حدثتني أم قيس ابنة محصن ولم يرفعه إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.
ورواه ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن أمّ قيس بنت محصن، قالت: دخل عليَّ عكاشة بن محصن وآخر في منى مساء يوم الأضحي فنزعا ثيابهما وتركا الطيب، فقلت: ما لكما؟ فقالا: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال لنا: "من لم يُفضْ إلى البيت من عشيته، فليدع الثّياب والطّيب".
رواه الطّحاويّ في شرح المعاني (٣٩٤٢) من طريق عبد الله بن يوسف، عن ابن لهيعة. ورواه أيضًا من طريق ابن أبي مريم، نا عبد الله بن لهيعة، قال: ثنا أبو الأسود، عن عروة، عن جدامة بنت وهب -أخت عكاشة بن وهب-، أنّ عكاشة بن وهب صاحب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأخا له آخر جاءها حين غابت الشمس يوم النحر، فألقيا قميصهما فقالت: ما لكما؟ فقالا: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لم يكن أفاض من هنا فليلق ثيابه". وكانوا تطيّبوا ولبسوا الثياب.
فجعل فيه عكاشة بن وهب، وهذا كلّه من تخليط ابن لهيعة، وفيه كلام معروف. وجدامة بنت وهب، ويقال: جندل، ويقال: جندب الأسدي أخت عكاشة بن محصن لأمه، صحابية لها سابقة وهجرة. قال الدارقطني: من قالها بالذال المعجمة صحَّف.
ثم هل الحديث من مسند جدامة بنت وهب، أم من مسند أم قيس بنت محصن، أم من أمّ سلمة؟ وهل عكاشة هو ابن محصن أم ابن وهب؟ وهذا اضطراب واضح في الإسناد، ووجود ابن لهيعة في الإسناد قرينة قوية لهذا الاضطراب.
ولذا قال الحافظ في الإصابة (٢/ ٤٨٨): "وقد اختلف فيه على ابن لهيعة" ثم أخرج حديث الطحاويّ عن أمّ قيس وقال: "وكأنّ هذا أصح، وقد جاء الحديث من وجه آخر عنها أخرجها الحاكم من طريق ابن إسحاق، حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، حدثتني أمُّ قيس بنت محصن" فذكر الحديث مختصرًا.
قلت: فمثل هذا الحديث مع تفرده واضطرابه في إسناده لا يقبل في مثل هذا الحكم الذي نعمّ به البلوى، وقد كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال مخاطبًا أصحابه: "خذوا عني مناسككم"، فلا ينبغي أن يخفى