من اللّيل فتوضأت وصليت ما قُدِّر لي فنعستُ في صلاتي حتى استثقلتُ، فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صُورة، فقال: يا محمّد، قلتُ: لبَّيك ربِّ. قال: فيم يختص الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، قالها ثلاثا. قال: فرأيته وضع كفَّه بين كتفيَّ حتى وجتُ بَرْد أنامله بين ثدييَّ، فتجلّى لي كلُّ شيءٍ وعرفتُ، فقال: يا محمّد، قلت: لبيك ربّ، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفّارات. قال: ما هُنَّ؟ قلت: مشيُ الأقدام إلى الحسنات، والجلوس في المساجد بعد الصّلوات، وإسباغُ الوضوء حين الكَرِيهات، قال: فيمَ؟ قلتُ: إطعامُ الطعام، ولين الكلام، والصّلاة بالليل والناس نيام. قال: سَلْ، قُلْ: اللَّهُمَّ إني أسألك فعلَ الخيرات وترك المنكرات وحبَّ المساكين، وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة قوم فتوفني غير مفتون، وأسألُك حُبَّك وحُبَّ من يُحبُّك، وحُبَّ عملٍ يُقرِّبُ إلى حُبِّك. قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنَّها حقٌّ، فادْرسُوها ثم تَعلّمُوها".
حسن: رواه الترمذيّ (٣٢٣٥) عن محمّد بن بشّار، حدثنا معاذ بن هانئ، حدثنا أبو هانئ اليشكريّ، حدثنا جهضم بن عبد اللَّه، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلّام، عن أبي سلّام، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرميّ، أنّه حدّثه عن مالك بن يُخامر السّكسكيّ، عن معاذ بن جبل، فذكره.
ورواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد (٤٤١)، وأحمد (٢٢١٠٩)، وابن عدي (٦/ ٢٣٤٤) كلَّهم من طريق يحيى بن أبي كثير به نحوه، واختصره ابن عديّ.
قال الترمذيّ: "هذا حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث. فقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال: هذا أصحّ من حديث الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر، قال: حدثنا خالد بن اللّجلاج، حدثني عبد الرحمن بن عائش الحضرميّ قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (فذكر الحديث)، وهذا غير محفوظ: هكذا ذكر الوليد في حديثه عن عبد الرحمن بن عائش قال سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وروى بشر بن بكر، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر هذا الحديث بهذا الإسناد عن عبد الرحمن ابن عائش عن النّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهذا أصحّ، وعبد الرحمن بن عائش لم يسمع من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-". انتهى.
وأخرجه الحاكم (١/ ٥٢٠ - ٥٢١) من وجه آخر عن محمد بن شعيب بن شابور، عن عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر مثل حديث بشر بن بكر كما أشار إليه الترمذيّ، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه". ثم قال الحاكم: "وقد روي عن معاذ بن جبل، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مثله".
فكان أولى أن يخرّج حديث يحيى بن أبي كثير؛ لأنّه صحّحه أهل العلم منهم البخاريّ وأحمد كما سيأتي. وأمّا عبد الرحمن بن عائش فلم يسمع من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كما قال الترمذيّ، وقال أبو حاتم: