وقال الترمذي:"إنما كان هذا في أول الأمر، ثم نسخ بعد ذلك. ثم قال: "والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك في القديم والحديث. ومما يُقوي هذا ما رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أوجه كثيرة أنه قال:"لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب بالثيب، والتارك لدينه".
قال النووي في شرح مسلم:"وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قاله. فهو حديث منسوخ. دل الإجماع على نسخه".
وقال الترمذي أيضا في أول كتاب" العلل" الذي ختم به السنن: "جميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين، حديث ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر بالمدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر. وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه".
وقد بينا علة الحديثين جميعا في الكتاب. انتهى.
قال الحافظ: "وتعقبه النووي فسلّم قوله في حديث الباب دون الآخر".
قال ابن المنذر: "وقد كان هذا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أزيل القتل عن الشارب في المرة الرابعة بالأخبار الثابتة عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، وبإجماع عوام أهل العلم من أهل الحجاز، وأهل العراق، وأهل الشام، وكل من نحفظ قوله من أهل العلم عليه، إلا من شذّ ممن لا يعد خلافًا". "الأوسط" (١٣/ ١٦)
وقال الخطابي في معالمه: "قد يرد الأمر بالوعيد، ولا يراد به وقوع الفعل، فأنما يقصد به الردع والتحذير كقوله - صلى الله عليه وسلم -: لمن قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه" وهو لو قتل عبده لم يقتل به في قول عامة العلماء، وكذلك لو جدعه لم يُجدع به بالاتفاق. وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجبًا، ثم نسخ لحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل. وقد رُوي عن قبيصة بن ذُؤيب ما يدل على ذلك".
وقال المنذري:"أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر، وأجمعوا أنه لا يُقتل إذا تكرر منه إلا طائفة شاذة، قالت: يُقتل بعد حده أربع مرات للحديث، وهو عند الكافة منسوخ". وبالله التوفيق.