والشاهد على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أقاموا الدين". لأن لفظة:"ما" مصدرية ظرفية مقيدة لقوله: إن هذا الأمر في قريش، وتقرير المعنى إن هذا الأمر يكون في قريش مدة إقامتهم الدين. مفهومه: أنهم إن لم يقيموا الدين لم يكن فيهم.
وقد روي عن ابن مسعود قال:"بينا نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قريب من ثمانين رجلا من قريش ليس فيهم إلا قرشي لا والله ما رأيت صفحة وجوه رجال قط أحسن من وجوههم يومئذ فذكروا النساء، فتحدثوا فيهن، فتحدث معهم حتى أحببت أن يسكت قال ثم أتيته فتشهد ثم قال: "أما بعد يا معشر قريش فإنكم أهل هذا الأمر ما لم تعصوا الله، فإذا عصيتموه بعث إليكم من يلحاكم كما يلحى هذا القضيب" لقضيب في يده ثم لحا قضيبه، فإذا هو أبيض بصلد".
رواه أحمد (٤٣٨٠) عن يعقوب، حدثنا أبي، عن صالح قال ابن شهاب: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن مسعود قال .. فذكره.
ورواه أبو يعلى (٥٠٢٤) من طريق مصعب بن عبد الله الزبيري، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح (وهو ابن كيسان) ... فذكره. إلا أن فيه ثلاثين رجلا.
قال الحافظ في الفتح (١٣/ ١١٦): "رجاله ثقات إلا أنه من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عم أبيه عبد الله بن مسعود ولم يدركه، وهذه رواية صالح بن كيسان عن عبيد الله. وخالفه حبيب بن أبي ثابت فرواه عن القاسم بن محمد بن عبد الرحمن عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي مسعود الأنصاري ولفظه: "لا يزال هذا الأمر فيكم وأنتم ولاته" الحديث أخرجه أحمد (١٧٠٦٩) وفي سماع عبيد الله من أبي مسعود نظر مبني على الخلاف في سنة وفاته.
قال: "وله شاهد من مرسل عطاء بن يسار أخرجه الشافعي وعنه البيهقي (٨/ ١٤٤) بسند صحيح إلى عطاء ولفظه قال لقريش: "أنتم أولى الناس بهذا الأمر ما كنتم على الحق إلا أن تعدلوا عنه فتلحون كما تلحى هذه الجريدة" اهـ.
فلو جاء رجل من قريش وقال: إنه أحق بالإمامة من غيره وهو فاسق فلا نقبل إمامته. فمن شرط الإمامة عند الابتداء أن يكون عدلا. ولكن لو أن أحدًا تغلب على الناس بالقوة سواء كان قرشيا أو عبدا حبشيا كأن رأسه زبية كما جاء في الحديث وجبت طاعته، ففرق بين الاختيار وبين الاستيلاء على الناس بالقوة فنسمع ونطيع، ولا ننابذ إلا أن نرى كفرا بواحا لا تأويل له.
أما في غير الإمام الأعظم فلا أعرف أحدا اشترط فيه أن يكون قرشيا، بل الأمر موكول إلى من غلب، فتولى الحكم، واستب الأمن فهو الإمام، تجب بيعته وطاعته وتحرم منازعته ومعصيته.
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: "الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا، ما اجتمعوا على إمام واحد،