وهو كما قال وقد جاء عند أبي داود (٢٧٥٠) أن مكحولا لقي زياد بن جارية التميمي فقال له: هل سمعتَ في النفل شيئًا؟ قال: نعم سمعت حبيب بن مسلمة الفهري يقول: فذكره.
وقوله: "ونفل بعد الخمس" أي أخذ الخمس أولا من تمام الغنيمة ثمّ أعطى الثلث أو الربع مما بقي من الأخماس الأربعة ثمّ قسم البقية بين الغانمين.
وفيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يزيد بعض المقاتلين على نصيبه بمقدار الثلث أو الربع من الأخماس الأربعة، وهذا قول أنس بن مالك، وفقهاء الشام منهم: رجاء بن حيوة، ومكحول، والأوزاعي. وبه قال أحمد، وإسحاق، وأبو عبيد. وكان مالك يرى أنه لا نفل إِلَّا من الخمس.
وقال النخعي وغيره: إن شاء الإمام نفله قبل الخمس وإن شاء بعده. انظر: المغني (١٣/ ٦٠).
وكان بعض الصّحابة يرى أنه لا نفل بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم: عبد الله بن عمرو بن العاص فقد روى ابن ماجة (٢٨٥٣) من طريق رجاء بن أبي سلمة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: لا نفل بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرد المسلمون قويهم على ضعيفهم.
وقوله: "في بدأته" أي: في ابتداء الغزو وذلك بأن نهضت سرية من العسكر وابتدروا إلى العدو في أول الغزو فما غنموا كان يعطيهم منها الربع، والبقية يقسم لتمام العسكر، وإن فعل طائفة مثل ذلك حين رجوع العسكر يعطيهم ثلث ما غنموا؛ لأن فعلهم ذلك حين رجوع العسكر أشقُّ لضعف الظهر والعدة والفتور، وزيادة الاشتهاء إلى الأوطان فزاد لذلك.
وأمّا ما رُوي عن عبادة بن الصَّامت: "أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كان ينفل في البدأة الربع، وفي القفول الثلث" فلا يصح.
رواه الترمذيّ (١٥٦١)، وابن ماجة (٢٨٥٢)، وأحمد (٢٢٧٢٦) كلّهم من طرق عن سفيان، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عَيَّاش بن أبي ربيعة، عن سليمان بن موسى (هو الأشدق)، عن مكحول، عن أبي سلام الأعرج، عن أبي أمامة، عن عبادة بن الصَّامت .. فذكره.
قال الترمذيّ في العلل (٢/ ٦٦٥): "سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: لا يصح، إنّما روى هذا الحديث داود بن عمرو، عن أبي سلّام، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا".
قال محمد (يعني البخاريّ): "وسليمان بن موسى منكر الحديث، أنا لا أرُوي عنه شيئًا، روى سليمان بن موسى أحاديث عامتها مناكير". ثمّ ساق له عدة مناكير.
قلت: وفي سنده عبد الرحمن بن الحارث بن عَيَّاش بن أبي ربيعة صدوق له أوهام، وقد اختلف عليه أيضًا.
وأمّا الترمذيّ فقال: "حديث حسن".