للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

له: كم؟ فيقول؟ صاعًا من تمر: أو مدّين من شعير. قال: فنخرجها ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرّتنا فيستسقي الله لنا. فوالله! ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ونُسقى، قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث. قال: ثم حضرته الوفاة عندنا. فلما عرف أنه ميّت، قال: يا معشر يهود! ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع؟ قال: قلنا: إنك أعلم، قال: فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكفُّ (أي أتوقّع) خروج نبي قد أظل زمانه، وهذه البلدة مهاجَره، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه، وقد أظلّكم زمانه، فلا تسبقُن إليه يا معشر يهود! فإنه يبعث بسفك الدماء، وسبي الذراري والنساء ممن خالفه، فلا يمنعُكم ذلك منه. فلما بُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحاصر بني قريظة، قال هؤلاء الفتية وكانوا شَبابًا أحداثًا: يا بني قريظة! والله! إنه للنبي الذي كان عهد إليكم فيه ابن الهيّبان، قالوا: ليس به، قالوا: بلى والله! إنه لهو بصفته، فنزلوا وأسلموا، وأحْرزوا دماءهم وأموالهم وأهليهم.

قال ابن إسحاق: فهذا ما بلغنا عن أخبار يهود.

وقال ابن إسحاق: "وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن رجال من قومه، قالوا: إن مما دعانا إلى الإسلام - مع رحمة الله تعالى وهداه لنا لما كنا نسمع من رجال يهود وكنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب، عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون، قالوا لنا: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم فكنا كثيرًا ما نسمع ذلك منهم، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به، فبادرناهم إليه، فآمنا به، وكفروا به، ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات من البقرة: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: ٨٩] ومن طريق ابن إسحاق أخرجه البيهقي في الكبرى (٩/ ١١٤). انظر سيرة ابن هشام (١/ ٢١١ - ٢١٤).

كان من سكان يثرب قبل الإسلام، العرب من الأوس والخزرج، الذين نزحوا من اليمن في فترات مختلفة قبل مئات السنين من مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وأما اليهود فليسوا من سكان يثرب، وإنما جاؤوا من بلاد الشام واليمن لما علموا زمن بعثة نبي آخر الزمان، - وكان ذلك قبل البعثة في حدود خمسين سنة - بحثًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون مهجره يثرب حسب ما وجدوا في كتبهم لينضموا تحت لواء ملكه لمحاربة أعدائهم من الرومان. ومن أشهر قبائلهم بنو النضير وبنو قريظة، وأما بنو قينقاع فيختلف فيه آراء المؤرخين فمنهم من يقول: إنهم عرب تهودوا، ولكن من المعروف أن اليهود ما كانوا يقبلون انضمام غير بني إسرائيل إلى اليهودية.

وقد عرف من تاريخ بني إسرائيل أنهم كانوا يؤثرون التجارة والزراعة على السياسة فقد تمكنوا عندما كانوا في مصر أن استولوا على أخصب الأراضي الزراعية، وكذلك تمكنوا أن استولوا على أخصب الأراضي في جنوب يثرب لكثرة الأودية والسيول. فكان من أشهر مساكنهم العوالي وقباء وما حولها، وكان بين اليهود والعرب سجال مستمر حتى بعث الله النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتسابق كل من اليهود

<<  <  ج: ص:  >  >>