والأنبياء معصومون من الإقرار على المعصية، وإن وقع منهم ذلك سارعوا إلى التوبة ولا يؤخِّرونها، ولذلك لم يذكر في القرآن شيئًا من ذلك عن نبيٍّ من الأنبياء إِلَّا مقرونًا بالتوبة والاستغفار، كقول آدم وزوجته:{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[سورة الأعراف: ٢٣]، وقول نوح:{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[سورة هود: ٤٧]، وقول الخليل عليه السّلام:{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[سورة الشعراء: ٨٢]، وقول موسى:{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ}[سورة القصص: ١٦]، وقوله:{فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}[سورة الأعراف: ١٤٣]، وقوله تعالى عن داود:{وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}[سورة ص: ٣٤]، وقوله تعالى عن سليمان {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[سورة ص: ٣٥].
• عن عبد اللَّه بن عمرو، قال:"كنتُ أكتبُ كلَّ شيءٍ أسمعه من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أريدُ حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: لا تكتبْ كلَّ شيءٍ تسمعه من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بشر يتكلّم في الغضب والرِّضا، فأمسكتُ عن الكتاب، فذكرتُ ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأومأ بإصبعه إلى فيه، فقال: "اكتبْ، فوالذي نفسي بيده ما يخرجُ منه إِلَّا حقّ".
صحيح: رواه أبو داود (٣٤٤٦) عن مسدّد وأبي بكر بن أبي شيبة، قالا: حدثنا يحيى، عن عبيد اللَّه بن الأخنس، عن الوليد بن عبد اللَّه بن أبي مغيث، عن يوسف بن ماهك، عن عبد اللَّه بن عمرو، قال (فذكره).
قال أبو داود: حدّثنا مؤمّل بن الفضل، حدّثنا الوليد، قال: قلت لأبي عمرو.
وإسناده صحيح، ويحيى هو ابن سعيد القطّان، وعنه رواه الإمام أحمد (٦٥١٠)، والحاكم (١/ ١٠٥ - ١٠٦) وقال: "رواة هذا الحديث قد احتجّا بهم عن آخرهم غير الوليد هذا، وأظنه الوليد بن أبي الوليد الشّاميّ، فإنّه الوليد بن عبد اللَّه، وقد غلبت على أبيه الكنية، فإن كان كذلك فقد احتجّ به مسلم" انتهى.