يتثاورون، فلم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يخفضهم حتى سكنوا، ثم ركب النبي - صلى الله عليه وسلم - دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب - يريد عبد الله بن أبي قال كذا وكذا. قال سعد بن عبادة: يا رسول الله! اعف عنه واصفح عنه، فوالذي أنزل عليك الكتاب، لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبونه بالعصابة، فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله، ويصطبرون على الأذى، قال الله عز وجل:{وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا}[آل عمران: ١٨٥] وقال الله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا}[البقرة: ١٠٩] إلى آخر الآية. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتأول العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم، فلما غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدرًا فقتل الله به صناديد كفار قريش قال ابن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان: هذا أمر قد توجه، فبايَعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام، فأسلَمُوا".
متفق عليه: رواه البخاري في التفسير (٤٥٦٦) ومسلم في الجهاد والسير (١١٦: ١٧٩٨) كلاهما من طريق الزهري، عن عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد أخبره، فذكره.
• عن طارق بن عبد الله المحاربي قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سوق ذي المجاز، وعليه حلة حمراء، فسمعته يقول:"يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا"، ورجل يتبعه يرميه بالحجارة، قد أدمى عرقوبيه وكعبيه، وهو يقول: يا أيها الناس! لا تطيعوا هذا؛ فإنه كذاب. فقلت: من هذا؟ قيل: هذا غلام بني عبد المطلب. قلت: فمن هذا الذي يتبعه يرميه بالحجارة؟ قال: هذا عبد العزى أبو لهب. قال: فلما ظهر الإسلام خرجنا في ذلك حتى نزلنا قريبًا من المدينة، ومعنا ظعينة لنا، فبينا نحن قعود، إذ أتانا رجل عليه ثوبان، فسلم، وقال:"من أين أقبل القوم؟ " قلنا: من الربذة، قال: ومعنا جمل. قال:"أتبيعون هذا الجمل؟ " قلنا: نعم. قال:"بكم؟ " قلنا: بكذا وكذا صاعًا من تمر، قال: فأخذه ولم يستنقصنا قال: "قد أخذته" ثم توارى بحيطان المدينة، فتلاومنا فيما بيننا، فقلنا: أعطيتم جملكم رجلا لا تعرفونه. فقالت الظعينة: لا تلاوموا، فإني رأيت وجه رجل لم يكن ليحقركم، ما رأيت شيئًا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه، قال: فلما كان العشي أتانا رجل فسلّم علينا، وقال: