قال: ثم قاتل حتى قتل، وقتل صاحباه، فلما قتل عاصم، أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد، لئن قدرت على رأس عاصم، لتشربن في قحفه الخمر، فمنعته الدبر، فلما حالت بينهم وبينه قالوا: دعوه حتى يمسي فتذهب عنه فنأخذه، فبعث الله الوادي، فاحتمل عاصمًا فذهب به، وقد كان عاصم قد أعطى الله عهدًا أن لا يمسّه مشرك، ولا يمسّ مشركًا أبدًا، تنجّسًا، فكان عمر بن الخطاب يقول حين بلغه أن الدبر منعته: يحفظ الله العبد المؤمن، كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك، ولا يمس مشركًا أبدًا في حياته، فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع منه في حياته.
قال ابن إسحاق: وأما خبيب وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق فلانوا ورقوا ورغبوا في الحياة، وأعطوا بأيديهم فأسروهم، ثم خرجوا بهم إلى مكة ليبيعوهم بها، حتى إذا كانوا بالظهران، انتزع عبد الله بن طارق يده من القران، ثم أخذ سيفه، واستأخر عنه القوم، فرموه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره بالظهران، وأما خبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة فقدموا بهما مكة. قال ابن هشام: فباعوهما من قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكة.
قلت: الدبر هو ذكور النحل، وقيل: الزنابير.
والقِحف: بكسر القاف: أعلى الدماغ.
قال ابن إسحاق: فابتاع خبيبًا حجير بن أبي إهاب التميمي، حليف بني نوفل لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل، وكان أبو إهاب أخا الحارث بن عامر لأمه، ليقتله بأبيه، قال: وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية، ليقتله بأبيه، فبعثه مع مولى له يقال له: نسطاس، إلى التنعيم، وأخرجه من الحرم ليقتله، واجتمع رهط قريش، فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبو سفيان حين قدّم ليقتل: أنشدك الله يا زيد! أتحب أن محمدًا عندنا الآن مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي. قال: يقول أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمد محمدًا. قال: ثم قتله نسطاس، قال: وأما خبيب بن عدي فحدثني عبد الله بن أبي نجيح، أنه حدث عن ماويّة مولاة حجير بن أبي إهاب، وكانت قد أسلمت، قالت: كان خبيب عندي، حبس في بيتي، فلقد اطلعت عليه يومًا، وإن في يده لقطفًا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه، وما أعلم في أرض الله عنبًا يؤكل.
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي نجيح أنهما قالا: قالت: