للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال لي حين حضره القتل: ابعثي إلي بحديدة أتطهر بها للقتل، قالت: فأعطيت غلامًا من الحي الموسى، فقلت له: ادخل بها على هذا الرجل البيت، قالت: فو الله! إن هو إلا أن ولى الغلام بها إليه، فقلت: ماذا صنعت؟ أصاب والله الرجل ثأره بقتل هذا الغلام، فيكون رجلًا برجل. فلما ناوله الحديدة أخذها من يده، ثم قال: لعمرك ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إلي، ثم خلّى سبيله.

قال ابن إسحاق: قال عاصم: ثم خرجوا بخبيب، حتى جاؤوا به إلى التنعيم ليصلبوه، قال لهم: إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا. قالوا: دونك فاركع، فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما، ثم أقبل على القوم فقال: أما والله! لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعًا من القتل، لاستكثرت من الصلاة، قال: فكان خبيب أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين.

قال: ثم رفعوه على خشبة، فلما أوثقوه قال: اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك، فبلغه الغداة ما يصنع بنا، ثم قال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تغادر منهم أحدًا، ثم قتلوه، وكان معاوية بن أبي سفيان يقول: حضرته يومئذ فيمن حضره مع أبي سفيان، فلقد رأيته يلقيني إلى الأرض فرقًا من دعوة خبيب، وكانوا يقولون: إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه، زلت عنه.

سيرة ابن هشام (٢/ ١٦٩ - ١٧٣) ونقل عنه الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (٥/ ٤٩٨ - ٥٠٧) وأطال في ذكره، إلا أن محمد بن إسحاق وإن كان إمامًا في المغازي كما قال الشافعي: "من أراد المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق" إلا أنه لم يسند جميع ما ذكره كعادته في كتابه المغازي عمومًا، ولذا قد يقع خلاف بينه وبين من أسنده وإليكم ما أسنده الامام البخاري ومسلم في صحيحيهما من أخبار غزوة الرجيع.

• عن أبي هريرة قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية عينًا، وأمّر عليهم عاصم بن ثابت، وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب، فانطلقوا حتى إذا كان بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان، فتبعوهم بقريب من مائة رام، فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلًا نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمر تزوّدوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتهى عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فدفد، وجاء القوم فأحاطوا بهم، فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلًا، فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فرموهم حتى قتلوا عاصمًا في سبعة نفر بالنبل، وبقي خبيب وزيد ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم حلّوا أوتار قسيهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث الذي معهما: هذا أول الغدر، فأبى أن

<<  <  ج: ص:  >  >>