"انزلوا". فقالوا: يا رسول الله، ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس. فأخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهمًا من كنانته فأعطاه رجلًا من أصحابه، فنزل في قليب من تلك القُلُب، فغرزه فيه فجاش الماء حتَّى ضرب الناس عنه بعطن. فلمّا اطمأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة، فقال لهم كقوله لبسر بن سفيان، فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش، إنكم تعجلون على محمد، وإن محمدًا لم يأت لقتال، إنّما جاء زائرًا لهذا البيت معظمًا لحقه، فاتهموهم.
قال محمد بن إسحاق: قال الزهري: وكانت خزاعة في عيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشركها ومسلمها، لا يخفون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا كان بمكة، فقالوا: وإن كان إنّما جاء لذلك فوالله! لا يدخلها أبدًا علينا عنوة، ولا تتحدث بذلك العرب. ثمّ بعثوا إليه مكرز بن حفص، أحد بني عامر بن لؤي، فلمّا رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"هذا رجل غادر". فلمّا انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحو ما كلم به أصحابه، ثمّ رجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال: فبعثوا إليه الحليس بن علقمة الكناني، وهو يومئذ سيد الأحابيش، فلمّا رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"هذا من قوم يتألهون، فابعثوا الهدي في وجهه"، فبعثوا الهدي، فلمّا رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله رجع ولم يصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إعظامًا لما رأى، فقال: يا معشر قريش! قد رأيت ما لا يحل صده، الهدي في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله. قالوا: اجلس، إنّما أنت أعرابي لا علم لك. فبعثوا إليه عروة بن مسعود الثقفي، فقال: يا معشر قريش، إني قد رأيت ما يلقى منكم من تبعثون إلى محمد إذا جاءكم، من التعنيف وسوء اللّفظ، وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد، وقد سمعت بالذي نابكم، فجمعت من أطاعني من قومي، ثمّ جئت حتَّى آسيتكم بنفسي. قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم. فخرج حتَّى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس بين يديه، فقال: يا محمد جمعت أوباش الناس، ثمّ جئت بهم لبيضتك لتفضها، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله ألا تدخلها عليهم عنوة أبدًا، وأيم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدًا. قال: وأبو بكر قاعد خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: امصص بظر اللات! أنحن ننكشف عنه؟ ! قال: من هذا يا محمد؟ قال:"هذا ابن أبي قحافة". قال: أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك