ثلاثة أيام، فجاء رجل من اليهود يقال له: عزال فقال: يا أبا القاسم، إنك لو أقمت شهرًا ما بالوا، إن لهم شرابًا وعيونًا تحت الأرض، يخرجون بالليل فيشربون منها، ثمّ يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فإن قطعت مشربهم عليهم أصحروا لك. فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مائهم فقطعه عليهم، فلمّا قطع عليهم، خرجوا، فقاتلوا أشد القتال، وقتل من المسلمين نفر، وأصيب نحو العشرة من اليهود، وافتتحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثمّ تحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل الكتيبة والوطيح والسلالم حصن ابن أبي الحقيق، فتحصن أهله أشد التحصن، وجاءهم كل فل كان انهزم من النطاة والشق، فإن خيبر كانت جانبين الأوّل: الشق والنطاة، وهو الذي افتتحه أولا، والجانب الثاني: الكتيبة والوطيح والسلالم، فجعلوا لا يخرجون من حصونهم حتَّى هم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينصب عليهم المنجنيق، فلمّا أيقنوا بالهلكة وقد حصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة عشر يومًا، سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلح، وأرسل ابن أبي الحقيق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنزل فأكلمك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم"، فنزل ابن أبي الحقيق فصالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة وترك الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويخلون بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين ما كان لهم من مال وأرض وعلى الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة، إِلَّا ثوبًا على ظهر إنسان. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئًا". فصالحوه على ذلك.
لكن يرى الحافظ ابن القيم في زاده (٣/ ٣٢٨ - ٣٢٩) وقبله الحافظ ابن عبد البر في الدرر ص ٢١٤ بأن خيبر كلها فتحت عنوة، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استولى على أرضها كلها بالسيف عنوة، ولو فتح شيء منها صلحًا لم يُجلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها، فإنه لما عزم على إخراجهم منها قالوا: نحن أعلم بالأرض منكم دعونا نكون فيها، ونعمرها لكم بشطر ما يخرج فيها، وهذا صريح جدًّا في أنها إنّما فتحت عنوة: وقد حصل بين اليهود والمسلمين من الحرب والمبارزة والقتل من الفريقين ما هو معلوم، ولكنهم لما ألجئوا إلى حصنهم، نزلوا على الصلح الذي ذكر أن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصفراء والبيضاء، والحلقة والسلاح، ولهم رقابهم وذريتهم ويجلوا من الأرض، فهذا كان الصلح ولم يقع بينهم صلح أن شيئًا من أرض خيبر لليهود ولا جرى ذلك البتة، ولو كان كذلك لم يقل نقركم ما شئنا، فكيف يقرهم على أرضهم ما شاء، ولما كان عمر أجلاهم كلّهم من الأرض ولم يصالحهم أيضًا على أن الأرض للمسلمين وعليها خراج يؤخذ منهم هذا لم يقع فإنه لم يضرب على خيبر خراجًا البتة. فالصواب الذي لا شك فيه: أنها فتحت عنوة والإمام مخير في أرض العنوة بين قسمها ووقفها، أو قسم بعضها ووقف البعض، وقد فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنواع الثلاثة، فقسم قريظة والنضير ولم يقسم مكة، وقسم شطر خيبر وترك شطرها. انتهى كلام ابن القيم.