يُبصرها لنا، وفي ركابنا يحفظها علينا، فأمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل ما أمر به لأصحابه، وقال:"ليس بشركم مكانًا لحفظه ركابكم ورحالكم"، فقيل ذلك لمسيلمة، فقال: عرف أن الأمر إلي من بعده، ورجعوا إلى اليمامة وأعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إداوةً من ماء فيها فضل طهور، فقال:"إذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم، وأنضحوا مكانها بهذا الماء، واتخذوا مكانها مسجدًا" ففعلوا، وصارت الإداوة عند الأقعس بن مسلمة، وصار المؤذن طلق بن علي، فأذن فسمعه راهب البيعة، فقال: كلمة حق، ودعوة حق! وهرب، فكان آخر العهد به، وادعى مسيلمة -لعنه الله- النبوة، وشهد له الرحَّال بن عُنفوة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشركه في الأمر فافتتن الناس به.
أخرجه في طبقاته (١/ ٣٠٦ - ٣١٧) ومحمد بن عمر هو الواقدي، وفي الإسناد الثاني رجال لم يسموا.
ويستفاد منه أن عددهم بضعة عشر رجلا.
قال ابن إسحاق: وكان منزلهم في دار بنت الحارث امرأة من الأنصار، ثم من بني النجار، فحدثني بعض علمائنا من أهل المدينة: أن بني حنيفة أتت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تستره بالثياب، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في أصحابه. معه عسيب من سعف النخل في رأسه خوصات، فلما انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يسترونه بالثياب كلمه وسأله، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه".
قال ابن إسحاق: وقد حدثني شيخ من بني حنيفة من أهل اليمامة أن حديثه كان على غير هذا.
زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخلَّفوا مسيلمة في رحالهم، فلما أسلموا ذكروا مكانه، فقالوا: يا رسول الله، إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا وفي ركابنا يحفظها لنا، قال: فأمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل ما أمر به للقوم، وقال:"أما إنه ليس بشركم مكانا"؛ أي لحفظه ضيعة أصحابه، وذلك الذي يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال: ثم انصرفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجاءوه بما أعطاه، فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم، وقال: إني قد أشركت في الأمر معه. وقال لوفده الذين كانوا معه: ألم يقل لكم حين ذكرتموني له: "أما إنه ليس بشركم مكانا"؛ ما ذاك إلا لما كان يعلم أني قد أشركت في الأمر معه، ثم جعل يسجع لهم السجعات، ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن:"لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشا"، وأحل لهم الخمر والزنا، ووضع عنهم الصلاة وهو مع ذلك يشهد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه نبي، فأصفقت معه حنيفة على ذلك، فالله أعلم أي ذلك كان. سيرة ابن هشام (٢/ ٥٧٦ - ٥٧٧).
وقد دار بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين مسيلمة الكذاب الكتاب التالي:
• عن نعيم بن مسعود الأشجعي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول للرسولين حين قرآ كتاب مسيلمة الكذاب:"فما تقولان أنتما؟ " قالا: نقول كما قال. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما".