فإن قيل: استخلافه يدل على أنه لا يستخلف إلا الأفضل لزم أن يكون علي مفضولا في عامة الغزوات، وفي عمرته وحجته، لا سيما وكل مرة كان يكون الاستخلاف على رجال مؤمنين، وعام تبوك ما كان الاستخلاف إلا على النساء والصبيان ومن عذر الله، وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا أو متهم بالنفاق، وكانت المدينة آمنة لا يخاف على أهلها، ولا يحتاج المستخلف إلى جهاد، كما يحتاج في أكثر الاستخلافات.
وكذلك قوله:"وسد الأبواب كلها إلا باب عليٍّ" فإن هذا مما وضعته الشيعة على طريق المقابلة، فإن الذي في الصحيح عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في مرضه الذي مات فيه:"إن أمن الناس عليَّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر"، ورواه ابن عباس أيضا في الصحيحين. ومثل قوله:"أنت وليي في كل مؤمن بعدي" فإن هذا موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، والذي فيه من الصحيح ليس هو من خصائص الأئمة، بل ولا من خصائص عليٍّ، بل قد شاركه فيه غيره، مثل كونه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ومثل استخلافه وكونه منه بمنزلة هارون من موسى، ومثل كون علي مولى مَن النبي - صلى الله عليه وسلم - مولاه، فإن كل مؤمن موال لله ورسوله، ومثل كون براءة لا يبلغها إلا رجل من بني هاشم، فإن هذا يشترك فيه جميع الهاشميين، لما رُوي أن العادة كانت جارية بأن لا ينقض العهود ويحلها إلا رجل من قبيلة المطاع).
وإن صح قوله:"وسد الأبواب كلها إلا باب عليٍّ" فمعناه يحمل على ما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية (١١/ ٥٥) حيث قال: (وهذا لا ينافي ما ثبت في صحيح البخاري من أمره عليه الصلاة والسلام في مرضه الذي مات فيه بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا باب أبي بكر الصديق؛ لأن نفي هذا في حق علي كان في حال حياته لاحتياج فاطمة إلى المرور من بيتها إلى بيت أبيها، فجعل هذا رفقا بها، وأما بعد وفاته فزالت هذه العلة فاحتيج إلى فتح باب الصديق لأجل خروجه إلى المسجد ليصلي بالناس إذ كان الخليفة عليهم بعد موته عليه الصلاة والسلام وفيه إشارة إلى خلافته).
وللحديث عدة شواهد منها:
حديث زيد بن أرقم عند أحمد (١٩٢٨٧) والنسائي في الكبرى (٨٣٦٩).
وحديث ابن عمر عند أحمد (٤٧٩٧) وأبي يعلى (٥٦٠١).
وحديث سعد بن أبي وقاص عند أحمد (١٥١١) والنسائي في الخصائص (٤١).
وحديث علي بن أبي طالب عند البزار (٥٠٦).
وحديث جابر بن سمرة عند الطبراني في الكبير (٢/ ٢٧٤).
ولا يصح منها شيء إلا أن ابن حجر حسَّن بعضها، وقوَّى البعض الآخر. انظر: الفتح (٧/