للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال: أما قوله في هذا الحديث: سميعا عليما، وغفورا رحيما، وعليما حكيما، ونحو ذلك إنما أراد به ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها، وأنها معان متفق مفهومُها، مختلف مسموعُها، لا يكون في شيء منها معنى وضدّه، ولا وجه يخالف وجها خلافا ينفيه، أو يضادّه، كالرحمة التي هي خلاف العذاب، وضِدُّه وما أشبه ذلك.

وقال: وهذا كله يعضد قول من قال: إن معنى السبعة الأحرف المذكورة في الحديث سبعة أوجه من الكلام المتفق معناه، المختلف لفظه نحو: هَلُمَّ، وتعال، وعجِّلْ، واسْرعْ، وانظرْ وأخّر ونحو ذلك. انتهى كلامه.

يعني أنهم ما كانوا يغيّرون سميعا عليما إلى غفورا رحيما، بل هكذا نزل في القرآن في اللهجات المختلفة.

ومعنى نزول القرآن على سبعة أحرف: يعني سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو أقبل، وتعال، وهلُمّ، وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم.

ويؤيد هذا المعنى ما رُويَ في حديث أبي بكرة أن جبريل عليه السلام قال: يا محمد، اقرإ القرآن على حرف، قال ميكائيل عليه السلام: استزده، فاستزاده قال: فاقرأ على حرفين. قال ميكائيل: استزده فاستزاده حتى بلغ سبعة أحرف. قال: كلٌّ شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب نحو قولك: تعال وأقبل، وهَلُمَّ، واذهبْ واسرعْ وأعجلْ.

رواه أحمد (٢٠٥١٤)، والطبري في مقدمة تفسيره (١/ ٣٨) كلاهما من حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة فذكره.

وفي إسناده علي بن زيد -هو ابن جدعان- ضعيف، إلا أنه ما يشهد غير المثال، فلعله مدرج من بعض الرواة، وروي مثله عن بعض الصحابة أيضًا.

ورُويَ عن عمر بن الخطاب أنه قال: نزل القرآن بلغة مضر، وكانت لغة مضر هذه سبع لهجات حسب القبائل السبعة وهم: هذيل، وكنانة، وقيس، وضبة، وتيم الرباب، وأسد بن خزيمة، وقريش.

ورُويَ عن ابن عباس أنه قال: نزل القرآن على سبع لغات منها خمس بلغة العجز من الهوازن، وإثنان لسائر العرب، والعجز هم: سعد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف، وكان يقال لهم: عليا هوازن.

ولا يلزم من هذا أن جميع القرآن نزل على سبعة أحرف -أي أوجه-، فالصحيح أن بعضه على سبعة، وبعضه على ستة، وبعضه على خمسة هكذا، وأكثرها على واحد، إذ اختلاف هذه الأحرف هو من باب التنوع، وليس من باب التناقض أو التضاد. وأما إملاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- القرآن على كتاب الوحي فكان كما نزل، فكان جمع القرآن في عهد أبي بكر بما في هذه المكتوبات مع ما كان عندهم في الصدور، فلا يجوز لأحد أن يغيّر شيئًا من القرآن لا قراءةً ولا كتابةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>