للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والبحرين، واليمن، والكوفة، والبصرة. وأبقى واحدًا منها بالمدينة، وأمر بحرق كل جزء، أو كل مصحف كان لدى بعض الصحابة، فسارع الناسُ إلى تنفيذ أمره كما روا ابن أبي داود في كتاب المصاحف (١/ ١٨٧) عن مصعب بن سعد قال: أدركت الناس متوافرون حين حرّق عثمان المصاحف، فأعجبهم ذلك، وقال: لم ينكر ذلك منهم أحد" إلا ما يُروى عن ابن مسعود أنه لم ينفذ أمره، بل أمر أصحابه أن يحافظوا على المصحف الذي عندهم. ثم ألْهمه اللَّه أن يرجعَ إلى رأي عثمان الذي كان في الحقيقة رأي الأمة كلها، ولكن انتشرت عنه القراءات الأخرى من طريق تلاميذه بالرواية، فتداولتْها كتب التفسير والحديث.

ومن هذه المصاحف العثمانية نُسِخت المصاحف الأخرى كلما اتسعت رقعة الدولة الاسلامية، وهكذا اتفق المسلمون على المصحف الموجود الآن المنسوخ من المصاحف العثمانية على حرف واحد، وصار المصحف العثماني هو العمدة لدى جميع المسلمين.

قال القاضي أبو بكر الباقلاني: "جميع القرآن الذي أنزله اللَّه تعالى، وأمر بإثباته، ولم ينسخه، ولا رفع تلاوته وهو الذي بين اللوحتين الذي حواه مصحف عثمان رضي اللَّه عنه، لم يُنقص منه شيء، ولا زِيدَ فيه شيءٌ، نقله الخلف عن السلف، وهو معجزة الرسول عليه السلام". انتهى (نكت الانتصار ص ٥٩).

وبهذا ظهر مصداق قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩].

رسم المصحف: الرسم الذي استعمل في كتابة المصحف هو الرسم الذي كان معروفا عند العرب، في كتاباتهم، ثم وضعت قواعد الإملاء، إلا أن علماء السلف حرّموا كتابة المصحف على الإملاء الجديد. سئل الإمام مالك، فقيل له: "أرأيتَ من استكتب مصحفا اليوم أترى أن يكتب على ما أحدث الناس من الهجاء (أي الإملاء) اليوم؟ ". فقال: "لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى".

قال أبو عمرو الداني (ت ٤٤٤ هـ) بعد أن ذكر رأي مالك السابق: "ولا مخالفَ له في ذلك من علماء الأمة". المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار للداني (٩ - ١٠).

وحكي أن الإمام أحمد بن حنبل قال: "تحرم مخالفة مصحف الإمام في واو، أو ياء، أو ألف، أو غير ذلك".

وقال البيهقي في الشعب (٤/ ٢١٩): "من كتب مصحفا، فينبغي أن يحافظ على الهجاء (أي الإملاء) التي كتبوا بها تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيها، ولا يغير مما كتبوه شيئًا، فإنهم كانوا أكثر علما، وأصدق قلبًا ولسانًا، وأعظم أمانة منا، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم، ولا تسقُّطا لهم".

وقال الزمخشري (ت ٥٣٨ هـ): وقع في الرسم: لام الجرّ مفصولة في قوله تعالى: {وَقَالُوا مَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>