فنزل صاحبي الأنصاري يومَ نوبتِه، فرجع إلينا عشاء، فضرب بابي ضربًا شديدًا، وقال: أثم هو؟ ففزعتُ فخرجتُ إليه، فقال: قد حدثَ اليوم أمرٌ عظيم، قلت: ما هو؟ أجاء غسان؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك وأهولُ، طلّق النبي؟ - صلى الله عليه وسلم - نساءه.
وقال عبيد بن حنين: سمع ابن عباس عن عمر فقال: اعتزل النبي - صلى الله عليه وسلم - أزواجه، فقلت: خابت حفصةُ وخسرتْ، وقد كنت أظنُّ هذا يوشك أن يكون، فجمعتُ عليّ ثيابي، فصليتُ صلاة الفجر مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مشربةً له، فاعتزل فيها، ودخلت على حفصة، فإذا هي تبكي، فقلت: ما يُبكيك؟ ألم أكن حذّرتك هذا، أطلّقكن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: لا أدري، ها هو ذا معتزل في المشربة. فخرجت، فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم، فجلستُ معهم قليلا، ثم غلبني ما أجد، فجئتُ المشربةَ التي فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلتُ لغلام أسود: استأذنْ لعمر. فدخل الغلام فكلّم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رجع فقال: كلّمتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكرتُك له فصمتَ، فانصرفتُ حتى جلستُ مع الرهط الذين عند المنبر. ثم غلبني ما أجدُ فجئت فقلت للغلام: استأذن لعمر، فدخل ثم رجع، فقال: قد ذكرتك له فصمتَ، فرجعتُ فجلست مع الرهط مع المنبر، ثم غلبني ما أجد، فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر، فدخل، ثم رجع إليَّ فقال: قد ذكرتك له فصمَتَ، فلمّا ولَّيتُ منصرفا قال: إذا الغلام يدعوني فقال: قد أذنَ لك النبي - صلى الله عليه وسلم -. فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو مُضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش، قد أثّر الرمال بجنبه، متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف، فسلّمتُ عليه. ثم قلت وأنا قائم: يا رسول الله أطلقتَ نساءك؟ فرفع إليَّ بصره، فقال:"لا". فقلت: الله أكبر. ثم قلت وأنا قائم أستأنس: يا رسولَ الله لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلبُ النساءَ، فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤُهم، فتبسّم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قلت: يا رسول الله، لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لها: لا يغرنّك أن كانت جارتُك أوضأ منك وأحب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد عائشة. فتبسّم النبي - صلى الله عليه وسلم - تبسمة أخرى. فجلستُ حين رأيته تبسَّم، فرفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت في بيته شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة، فقلت: يا رسول الله! ادع الله فليُوسّع على أمتك، فإن فارس والروم قد وُسّعَ عليهم، وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله. فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان متكئا فقال:"أوفي هذا أنت يا ابن الخطاب؟ إن أولئك قوم قد عُجِّلُوا طيباتهم في الحياة الدنيا" فقلت: يا رسول الله، استغفر لي.