أيضًا من أبكار غنمه ومن سمانها فنظر الرب إلى هابيل وقربانه".
هذا بموجب شريعة آدم وأولاده، وبقي هذا الحكم مستمرا إلى موسى عليه السّلام، فإن البكر هو الذي يخصص لله، ويقدس كما جاء في سفر الخروج (١٣/ ١ - ٢): "وحكم الرب موسى قائلًا: قدس لي كل بكر، وكل فاتح رحم، من بني إسرائيل من الناس ومن البهائم، إنه لي".
ولا شك أن نبي الله إسماعيل بكر أبيه هو الذي استحق هذا الشرف ليكون في خدمة الله.
الأمر الثاني: قوله: ابنك الوحيد الذي تحبه.
وهذا واضح وضوح الشّمس فإن حبّ إبراهيم لإسماعيل لا يحتاج إلى إقامة دليل، لأنه ولد بعد ما بلغ من العمر ستا وثمانين سنة، وكان من نتيجة دعائه، ولذا سماه"إسماعيل" من استجابة الله دعاءه - أو "سمع الله".
ولذلك لما بشّر بالابن الثاني وهو إسحاق عليه السّلام لم يزد على قوله: "لله ليت إسماعيل يعيش أمامك". سفر التكوين (١٧/ ١٨).
ولما طلبت سارة من إبراهيم أن يفارق ابنه إسماعيل وأمه حزن إبراهيم من هذا الطلب: "ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذي ولدته لإبراهيم نمزح. فقالت لإبراهيم: اطرد هذه الجارية وابنها؛ لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق، فقبح الكلام جدًّا في عيني إبراهيم لسب ابنه. فقال الله لإبراهيم: لا تقبح في عينيك من أجل الغلام، ومن أجل جاريتك في كل ما تقول لك سارة اسمع قولها؛ لأنه لاسحاق يدعى لك نسل. وابن الجارية أيضًا سأجعله أمة؛ لأنه نسلك". سفر التكوين (٢١/ ٩ - ١٣).
كأن الله هدّأ فؤاد إبراهيم بقوله: إنه سيجعل منه أمة وقد كان محزونا من طلب سارة مفارقة ابنه، وهو دليل على حبه له.
الأمر الثالث: إن إبراهيم كان يسكن بئر سبع عند ما أمر بذبح ابنه، ومنه أخذ ابنه، وذهب إلى "مريا".
تنص التوراة على أن إبراهيم أخذ هاجر وابنها إسماعيل، وتركهما في بئر سبع (التكوين: ٢١/ ١٤) وسكن إسماعيل مع أمه في برية فاران (التكوين: ٢١/ ٢١). إن صحَّ ما تقول التوراة فإن إبراهيم أخذ ابنه إسماعيل من بئر سبع، وذهب إلى "مريا".
ويبدو أن محرري التوراة لم يلاحظوا هذه الأمور، فاستعجلوا في إقحام اسم إسحاق عليه السّلام في حادثة الذبح.
الأمر الرابع: ذهابه إلى "مريا" إذا نظرنا إلى موضع "مريا" واشتقاقه فهو في أصله "مروة" وأن التوراة تنص على أوصاف هذا الجبل بأنه بلوطة مورة (التكوين: ١٢/ ٦). وفي النسخة العبرانية: "برية مورة" ولا شك أن المترجمين غيرو هذا الفظ من أصله "مروة" إلى "مرية"