والأمر الذي لا خلاف فيه بين اليهود والنصارى أن الذبح كان جنب المعبد.
وهذه الأمور كلها تدل على أن ذلك كان في جوار بيت الله الحرام الذي يسمى الآن "مروة" والقرآن يقطع هذا النزاع بقوله: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (١٠٩) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣)}.
لأن البشارة الأولى كانت لإسماعيل كما أن البشارة الثانية هي لإسحاق. والموضع الذي حدثت فيه قصة الذبح كان بجوار بيت الله الحرام الذي يسمى "واديا غير ذي زرعا. وتتعارض نصوص التوراة بأن يكون إسحاق عليه السّلام هو الذبيح، وذلك أن الله بشر إبراهيم بإسحاق، وذكر عقبه أن يباركه كما جاء في سفر التكوين (١٩/ ١٧): "ولكن عهدي أقيمه مع إسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية".
فهل من الممكن أن يخبر الله تعالى بأنه يقيم عهده مع إسحاق وهو لم يولد بعد، ثمّ يأمره بذبحه بعد ولادته، أو ليس فيه تناقض ظاهر؟ وأين يكون امتحان إبراهيم وقد علم سابقا أن إسحاق يكون أبا أمة عظيمة. بينما لم يعلم هذا عن إسماعيل إِلَّا بعد ولادة إسحاق - أي بعد حادثة الذبح.
ولا يقال: قد يكون إسماعيل توفي في حياة إبراهيم، فلم يبق من ولده الذي وصف بأنه "الوحيد" إِلَّا إسحاق، لأن إبراهيم مات عن إسماعيل وإسحاق، واشتركا في دفن أبيهما كما جاء في سفر التكوين (٢٥/ ٧ - ٩): "عاش إبراهيم مائة سنة وخمسة وسبعين سنة، وأسلم روحه، ومات بشيبة صالحة، وشيخا وشبعان أياما، وانضم إلى قومه ودفنه إسحاق وإسماعيل في مغارة المكفيلة".
وأرى هذه القدر يكفي للتحقيق في الموضوع، والله الهادي إلى سواء السبيل.
وقوله:{قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} وفيه دليل على أن رؤيا الأنبياء وحي، ولذا جاء العمل بها، بخلاف غيرهم من الناس فإنه لا يجوز الإقدام على شيء بمجرد الرؤيا.
• عن ابن عباس قال: بِتُّ عند خالتي ميمونة ليلةً، فقام النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - من الليل، فلمّا كان في بعض الليل قام النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فتوضأ من شنٍّ معلّق وضوءا خفيفا، - يخففه عمرو ويقلّله -، وقام يصلي، فتوضأت نحوا مما توضأ، ثمّ جئت، فقمت عن يساره - وربما قال سفيان: عن شماله -، فحولّني، فجعلني عن يمينه، ثمّ صلّى ما شاء الله،