للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في صحيحه.

ويؤكد ذلك ابن حبان في مقدمة صحيحه (١) بقوله: "فإذا صحَّ عندي خبر من رواية مدلس أنه بيّن السماع فيه، لا أبالي أن أذكره من غير بيان السماع في خبره بعد صحته عندي من طريق آخر".

يعني أن ابن حبان رحمه اللَّه يُغيّر السماع بالعنعنة، فكل حديث مدلس بالعنعنة عند ابن حبان في صحيحه يُحمل على السماع.

وما قاله ابن حبان أخشى أن يكون هو الذي فعله بعض الرواة فغيّروا صيغة الأداء من السماع إلى العنعنة اختصارًا ظنًّا منهم بأن الصيغتين سواء كما ذكره الحافظ ابن حجر في ترجمة جعفر بن مسافر في تهذيبه.

قال يعقوب بن سفيان الفسوي: "سمعت عبد الرحمن بن إبراهيم دحيمًا، حَدَّثَنَا الوليد (هو ابن مسلم، مدلّس تدليس التسوية) قَال: كان الأوزاعي إذا حَدَّثَنَا يقول: حَدَّثَنَا يحيى قَال: حَدَّثَنَا فلان، حَدَّثَنَا فلان حتى ينتهي.

قال الوليد: فربما حدّثتُ كما حدّثني، وربما قلتُ: عن، عن، عن، تخففنا من الأخبار" (٢). انتهي.

ومن يطالع "تحفة الأشراف" للمزي فيجد أنه غيّر جميع صيغ الأداء بالعنعنة اختصارًا، ولذا اضطر الحافظ ابن حجر إلى تنصيص ذلك في مقدمة "إتحاف المهرة" (٣) بأنه يسوق ألفاظ الصيغ في الإسناد غالبا لتظهر فائدة ما يصرح به المدلس بخلاف المزي.

فيظهر من ذلك أن تغيير صيغة الأداء لم يكن عندهم من الأمور المحظورة.

ولذا يجب الاحتياط في ردّ أحاديث المدلسين الثقات من أجل العنعنة إلا من عُرفَ أنه يُكثر التدليس عن الضعفاء والمجاهيل، فهذا لا يُقبل حتى يصرّح مثل بقية ابن الوليد.

وأما من ضُعِّفَ بأمر آخرَ مع التدليس فحديثه مردود، ولو صرّح بالسماع مثل


(١) صحيح ابن حبان (١/ ١٦٢).
(٢) المعرفة والتاريخ (٢/ ٤٦٤).
(٣) إتحاف المهرة (١/ ١٥٨ - ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>