-صلى اللَّه عليه وسلم- بقربي فيبتعد، (وقال محمد بن عباد: فيتَبَعَّد) فجلست أحدتْ نفسي، فحانت منّي لفتة، فإذا أنا برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مقبلا، وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقف وقفة، فقال برأسه هكذا (وأشار أبو إسمعيل برأسه يمينا وشمالًا) ثم أقبل، فلما انتهى إليّ قال:"يا جابر! هل رأيت مقامي؟ " قلت: نعم يا رسول اللَّه، قال:"فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا، فأقبل بهما، حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك".
قال جابر: فقمت فأخذت حجرًا فكسرته وحسرته، فانذلق لي، فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا، ثم أقبلت أجُرّهما حتى قمت مقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري، ثم لحقته فقلت: قد فعلت يا رسول اللَّه! فعم ذاك؟ قال:"إني مررت بقبرين يعذّبان، فأحببت بشفاعتي أن يُرفّه عنهما، ما دام الغصنان رطبين".
قال: فأتينا العسكر، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا جابر! ناد بوضوء" فقلت: ألا وَضوءَ؟ ألا وَضوءَ؟ ألا وَضوءَ؟ قال قلت: يا رسول اللَّه! ما وجدت في الرّكب من قطرة، وكان رجل من الأنصار يُبرّد لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الماء في أشجاب له على حِمارة من جريد، قال: فقال لي: "انطلق إلى فلان بن فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟ " قال: فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجْب منها، لو أني أُفرِغه لشربه يابِسه، فأتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: يا رسول اللَّه! إني لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أُفرِغه لشربه يابسه، قال:"اذهب فأتني به"، فأتيته به، فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو، ويغمزه بيديه، ثم أعطانيه فقال:"يا جابر! ناد بجفنة" فقلت: يا جفنة الركب! فأُتيت بها تُحمل، فوضعتها بين يديه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده في الجفنة هكذا، فبسطها وفرّق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجَفنة، وقال:"خذ يا جابر، فصبّ علي، وقل: باسم اللَّه" فصببت عليه وقلت: باسم اللَّه، فرأيمت الماء يفور من بين أصابع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم فارَت الجَفنة ودارت حتى امتلأت، فقال:"يا جابر، ناد من كان له حاجة بماء" قال: فأتى الناس فاستقوا حتى رووا، قال فقلت: هل بقي أحد له حاجة؟ فرفع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يده من الجفنة وهي ملأى.
وشكا الناس إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الجوع، فقال:"عسى اللَّه أن يطعمكم" فأتينا سيف