للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد كره سالم وعطاء وطاوس والقاسم وعامر الشعبي القراءة في المصحف على غير وضوء. ذكره الجوزجاني في الأباطيل (١/ ٣٧٣).

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (٨/ ١٠ - ١١): "وأجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وعلى أصحابهم بأن المصحف لا يمسه إلا الطّاهر، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم، والثوري، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وأبي عبيد، وهؤلاء أئمّة الرّأي والحديث في أعصارهم. ورُوي ذلك عن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وطاوس والحسن والشعبي والقاسم بن محمد وعطاء، وهؤلاء من أئمّة التابعين بالمدينة ومكة واليمن والكوفة والبصرة.

قال إسحاق بن راهويه: "لا يقرأ أحدٌ في المصحف إلّا هو متوضّئ، وليس ذلك لقول الله عزّ وجلّ: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [سورة الواقعة: ٧٩]، ولكن لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمس القرآن إلّا طاهر". انتهى ما في الاستذكار.

وأجاز قومٌ مسّ المصحف على غير وضوء مستدلين بقول النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن لا ينجس" وهو متفق عليه.

وحملوا النّهي في حديث الباب على الجنب والحائض، وقولهَ تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} بأنه كتاب الله الذي في السماء لا يمسه إلا الملائكة المطّهرون.

قال البغوي في شرح السنة (٢/ ٤٨): "وجوّز الحَكَم وحماد وأبو حنيفة حمله ومسّه. وقال أبو حنيفة: لا يمس الموضع المكتوب".

وروى عبد الرزّاق (١٣٤٧) عن شيخ من أهل مكة، قال: سمعت سفيان العصفريّ يقول: "رأيت سعيد بن جبير بال ثم غسل وجهه، ثم أخذ المصحف فقرأ فيه".

قال أبو بكر (هو عبد الرزّاق): وسمعته من مروان بن معاوية الفزاريّ. انتهى.

قلت: ومروان بن معاوية كوفيٌّ سكن مكة، فلعلّ عبد الرزاق ما عرفه أوّلًا، ثم تبيّن له أنه هو والإسناد متصل.

ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف (٧٦٠) عن عبد الله بن بشار، قال: نا يحيى (بن سعيد القطان)، نا أبو الورقاء (وهو سفيان بن زياد العصفريّ)، قال: سمعت سعيد بن جبير، فذكر مثله.

وروى أيضًا بإسناده الشعبيّ قال: منّ المصحف ما لم تكن جنبًا. انتهى.

وممن ذهب إلى هذا ابن عباس، والضّحاك، وغيرهما كما ذكره الشّوكانيّ في نيل الأوطار (١/ ٣١٦)، ولعل قول أبي حنيفة والشعبي وغيرهما الذين ذكرهم ابن عبد البر يحمل على الجنب والحائض، والله أعلم بالصّواب.

وأما قراءة القرآن للجنب والحائض بدون مسّ المصحف فقد روي عن ابن عمر مرفوعا: "لا

<<  <  ج: ص:  >  >>