عذاب القبر، ثم قال:"أما فتنة الدجال، فإنه لم يكن نبيٌّ إلا قد حذَّر أمَّته، وسأُحذِّرُكُموه تحذيرًا لم يحذِّرْه نبيٌّ أمته، إنه أعورُ، والله عز وجل ليس بأعور، مكتوبٌ بين عينيه: كافر، يقرؤُه كلُّ مؤمن، فأمَّا فتنة القبر، فبي تُفْتَنُون، وعَنّي تُسْألون، فإذا كان الرجلُ الصالحُ، أُجلس في قبره غير فزع، ولا مشعوف، ثم يقال له: فيم كنت؟ فيقول: في الإسلام -فيقالُ: ما هذا الرجلُ الذي كان فيكم؟ فيقولُ محمدٌ. رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، جاءنا بالبيِّنات من عند الله عز وجل، فصَدَّقْناه، فيُفْرَجُ له فرجة قبل النار، فينظر إليها يحطِمُ بعضُها بعضًا، فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله عز وجل، ثم يفرج له فُرْجَةٌ إلى الجنة، فينظر إلى زَهْرَتِها وما فيها، فيُقالُ له: هذا مَقْعَدُكَ منها، ويُقالُ: على اليَقِين كُنْتَ، وعَلَيْهِ مِتَّ، وعَلَيه تُبْعَثُ إن شاء الله. إذا كان الرجل السوء، أُجْلِسَ في قبره فزعًا مشعوفًا، فيقال له: فيمَ كنتَ؟ فيقولُ: لا أدري، فيُقال: ما هذا الرجُلُ الذي كان فيكم؟ فيقولُ: سَمِعْتُ الناس يقولون قولًا، فقُلْتُ كما قالوا، فتُفْرَجُ له فَرْجَةٌ قِبَلَ الجَنَّة، فينظُرُ إلى زَهْرَتِها وما فيها فيُقالُ له: انظُرْ إلى ما صَرَفَ الله عز وجل عنك، ثُمَّ يُفْرَجُ له فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّار، فَيَنْظُرُ إليها يَحْطِمُ بعضها بعضًا، ويقالُ له: هذا مقعدك منها، كنتَ على الشَّكِّ، وعليه مِتَّ، وعليه تُبْعَث إن شاء الله، ثُمَّ يُعَذَّبُ".
صحيح: رواه الإمام أحمد (٢٥٠٨٩) عن يزيد بن هارون قال: أخبرنا ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ذكوان، عن عائشة فذكرته.
وإسناده صحيح، وقد عزاه الهيثمي في "المجمع"(٣/ ٤٨ - ٤٩) لأحمد وسكت عليه، وأورده المنذري في "الترغيب والترهيب"(٤/ ٢٦٧ - ٢٦٩) وقال: رواه أحمد بإسناد صحيح".
وقولها: "مشعوف" من الشعف وهو شدة الفزع حتى يذهب بالقلب.
• عن أبي الزبير أنه سأل جابر بن عبد الله، عن فتَّانَي القَبْر، فقال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن هذه الأمَّة تُبتلى في قُبورِها، فإذا أُدْخِلَ المُؤْمِنُ قَبْرَه، وتَوَلَّى عنه أصحابُه، جاء مَلَكٌ شديدُ الانْتِهار، فيقولُ له: ما كُنْتَ تقولُ في هذا الرَّجلِ؟ فيقولُ المُؤمِنُ: أقولُ: إنَّه رسولُ الله وعَبْدُه، فيقولُ له المَلَكُ: انظُرْ إلى مَقْعَدِكَ الذي كان لك في النار قد أنجاكَ الله منه، وأبدَلَكَ بمَقْعَدِكَ الذي تَرَى من النار، مَقْعَدَكَ الذي تَرَى من الجنة، فيراهُما كِلاهُما، فيقولُ المُؤْمِنُ: دَعُوني أُبَشِّرْ أهلي، فيُقالُ له: اسْكُنْ، وأمَّا المُنافِقُ، فيُقْعَدُ إذا تَوَلَّى عنه أهله، فيقال له: ما كُنْت تقولُ في هذا