وأما عبد الله بن مسعود فلعله لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه من القرآن، أو نسي ذلك، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ بهما في الصلاة.
• عن عقبة بن عامر، قال: بينا أنا أقود برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نقب من تلك النقاب، إذ قال لي:"يا عقب، ألا تركب؟ " قال: فأجللت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أركب مركبه، ثم قال:"يا عقب، ألا تركب؟ " قال: فأشفقت أن تكون معصية، قال: فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركبت هنية، ثم ركب، ثم قال:"يا عقب، ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟ " قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: فأقرأني: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١)} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١)}، ثم أقيمت الصلاة، فتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ بهما، ثم مر بي، قال:"كيف رأيت يا عقب؟ اقرأ بهما كلما نمت، وكلما قمت".
صحيح: رواه النسائي (٥٤٢٧) وأحمد (١٧٢٩٦) وصححه ابن خزيمة (٥٣٤) كلهم من طريق الوليد بن مسلم، قال: حدثنا ابن جابر، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن عقبة بن عامر، فذكره. واللفظ لأحمد. وإسناده صحيح.
وابن جابر هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي، أبو عتبة الشامي، ثقة، وثَّقه ابن معين وابن سعد وغيرهما.
• عن عقبة بن عامر، قال: كنت أقود برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناقته. قال: فقال لي: "ألا أعلمك سورتين لم يقرأ بمثلهما؟ " قلت: بلى. فعلَّمني: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١)} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١)}، فلم يرني أعجبت بهما، فلما نزل الصبح فقرأ بهما، ثم قال لي:"كيف رأيت يا عقبة؟ ".
صحيح: رواه أبو داود (١٤٦٢) والنسائي (٥٤٣٦) وأحمد (١٧٣٥٠) وابن خزيمة (٥٣٥) كلهم من طريق معاوية بن صالح، حدثنا العلاء بن الحارث، عن القاسم بن عبد الرحمن مولى معاوية بن أبي سفيان، عن عقبة بن عامر، فذكره.
هذه بعض الطرق عن عقبة بن عامر، وتركت الباقي خشية الطول، ويظهر منه جليا أن المعوذتين من القرآن، وعليه جمهور أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعون. فلعل عبد الله بن مسعود لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أنه نسي إن كان سمع منه، ثم رجع إلى مصحف الإمام الذي أمر بإعداده عثمان بن عفان، وحرق نسخته بأمر أمير المؤمنين كما بيّنتُ ذلك في مقدمة التفسير.
قوله:{الْفَلَقِ} هو الصبح. وحقيقة الفلق هو الانبثاق عن باطن شيء، فيكون الصبح بعد ظلمة الليل.