للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصحاب الشافعي وأحمد نحو ذلك في قتل الداعية إلى البدعة كالتجهم والرفض وإنكار القدر، وقد قتل عمر بن عبد العزيز غيلان القدري؛ لأنه كان داعية إلى بدعته وهذا مذهب مالك رحمه الله، وكذلك قتل من لا يزول إفساده إلا بقتله، وصرح به أصحاب أبي حنيفة في قتل اللوطي، إذا أكثر من ذلك تعزيرا، وكذلك قالوا إذا قتل بالمثقل فللإمام أن يقتله تعزيرا، وإن كان أبو حنيفة لا يوجب الحد في هذا ولا القصاص في هذا، وصاحباه يخالفانه في المسألتين، وهما مع جمهور الأمة.

هكذا استعرض الإمام ابن القيم هذه الأقوال في مقدار التعزير، ثم قال: " والمنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه رضي الله عنهم يوافق القول الأول؛ «فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بجلد الذي وطئ جارية امرأته وقد أحلتها له مائة (١)»، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما أمرا بجلد من وجد مع امرأة أجنبية في فراش مائة جلدة. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب الذي زور عليه خاتمه فأخذ من بيت المال مائة ثم في اليوم الثاني مائة ثم في اليوم الثالث مائة.

قال ابن القيم: " وعلى هذا يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد في الثالثة أو في الرابعة فاقتلوه (٢)» فأمر بقتله إذا أكثر منه، ولو كان ذلك حدا لأمر به في المرة الأولى ".

وقد أجاد ابن القيم في زاد المعاد الكلام على حديث قتل شارب الخمر في الرابعة أو الخامسة حيث قال: " وصح عنه - أي عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بقتله في الرابعة أو الخامسة، واختلف الناس في ذلك فقيل: هو منسوخ وناسخه حديث: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث (٣)». وقيل: هو محكم، ولا تعارض بين الخاص والعام، ولا سيما إذا لم يعلم تأخر العام. وقيل: ناسخه حديث عبد الله بن حمار فإنه أتي به مرارا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلده ولم يقتله. وقيل: قتله تعزيرا حسب المصلحة، فإذا أكثر منه ولم ينهه الحد واستهان به فللإمام قتله تعزيرا لا حدا، وقد صح عن عبد الله بن


(١) سنن الترمذي كتاب الحدود (١٤٥١)، سنن النسائي النكاح (٣٣٦١)، سنن أبو داود الحدود (٤٤٥٨)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٥١)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢٧٦)، سنن الدارمي الحدود (٢٣٢٩).
(٢) سنن أبو داود الحدود (٤٤٨٥).
(٣) صحيح البخاري الديات (٦٨٧٨)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧٦)، سنن الترمذي الديات (١٤٠٢)، سنن النسائي تحريم الدم (٤٠١٦)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٥٢)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٣٤)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣٨٢)، سنن الدارمي الحدود (٢٢٩٨).