وإذا أعلنت ضرت الخاصة والعامة، وإن رأى الناس المنكر فاشتركوا في ترك إنكاره أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه ".
وقد أجاد ابن القيم في كتابه المذكور الكلام على العقوبات القدرية، وعلى العقوبات الشرعية، وعلى الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة، وأتى في ذلك بما لا يستغنى عنه لولا الإطالة.
هذا وفي نهاية هذا المقال لا يفوتنا إيراد كلمة قيمة للتاج ابن السبكي في كتابه " معيد النعم ومبيد النقم " في إيجاب العمل بالشرع على من يفصل في القضايا لأهميتها فنقول: قال التاج ص ٤٠ - ٤٢ " عليه - أي على على من يفصل في القضايا - رفع الأمور إلى الشرع، وأن يعتقد أن السياسة - أي غير الشرعية - لا تنفع شيئا بل تضر البلاد والرعايا وتوجب الهرج والمرج، ومصلحة الخلق فيما شرعه الخالق الذي هو أعلم بمصالحهم ومفاسدهم، وشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم متكفلة بجميع مصالح الخلق في معاشهم ومعادهم، ولا يأتي الفساد إلا من الخروج عنها، ومن لزمها صلحت أيامه واطمأنت، ولم يقضي رسول الله صلى الله عليه وسلم نحبه حتى أكمل الله لنا ديننا ".
قال التاج: " وقد اعتبرت - ولاينبئك مثل خبير - فما وجدت ولا رأيت ولا سمعت بسلطان ولا نائب سلطان ولا أمير ولا حاجب ولا صاحب شرطة يلقي الأمور إلى الشرع إلا وينجو بنفسه من مصائب هذه الدنيا، وتكون مصيبته أبدا أخف من مصيبة غيره، وأيامه أصلح وأكثر أمنا وطمأنينة وأقل مفاسد، وأنت إذا شئت فانظر تواريخ الملوك والآمراء العادلين والظالمين، وانظر أي الدولتين أكثر طمأنينة وأطول أياما، وكذلك اعتبرت فلم أر ولم أجد من يظن أنه يعلم الدنيا بعقله ويدبر البلاد برأيه وسياسته، ويتعدى حدود الله وزواجره إلا كانت عاقبته وخيمة، وأيامه منغصة منكدة وعيشه قلقا، وتفتح عليه أبواب الشرور ويتسع الخرق على الراقع، فلا يسد ثلمة إلا وتنفتح ثلامات، ولا يرقع فتنة إلا وينشأ بعدها فتن كثيرة وعلى مثله يصدق قول الشاعر:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع