للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأول: من الناحية اللفظية.

الثاني: من الناحية المعنوية.

الثالث: من الناحية الزمنية.

أما من الناحية اللفظية، فإن العرب كانوا أهل فصاحة وبيان شهد لهم بذلك أشعارهم وخطبهم وأمثالهم ومقدرتهم على النقد وتمييز الغث من السمين، وكانوا قد برعوا في اللغة ووصلوا إلى مستوى رفيع، وقد وصفهم الرافعي بقوله: " كالعرب أصحاب الفطرة اللغوية والحسن البياني الذين صرفوا اللغة وشققوا أبنيتها وهذبوا حواشيها وجمعوا أطرافها واستنبطوا محاسنها ".

وقد كان العرب على مستوى رفيع من البلاغة والنقد والذوق البياني، خذ مثلا على ذلك، أنه عرض على الخنساء بيتان من الشعر لحسان بن ثابت في سوق عكاظ وهي قوله:

لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

ولدنا بني العنقاء وابني محرق ... فأكرم بنا خال وأكرم بنا ابنما

١ - فقالت الخنساء: " ضعفت افتخارك وأنزرته في ثمانية مواضع. قال: وكيف؟ قالت: قلت: " لنا الجفنات " والجفنات ما دون العشر، فقللت العدد، ولو قلت الجفان لكان أكثر. وقلت: "الغر " والغرة الباقي في الجبهة، ولو قلت البيض لكان أكثر اتساعا. وقلت: " يلمعن " واللمع شيء يأتي بعد الشيء ولو قلت: يشرقن لكان أكثر؛ لأن الإشراق أدوم من اللمعان. وقلت: " بالضحى " ولو قلت بالعشية لكان أبلغ في المديح؛ لأن الضيف بالليل أكثر طروقا. وقلت: " أسيافنا " والأسياف دون العشر. ولو قلت سيوفنا كان أكثر. وقلت: " يقطرن " فدللت على قلة القتل، ولو قلت يجرين لكان أكثر لانصباب الدم، وقلت دما والدماء أكثر من الدم، وفخرت بمن ولدت ولم تفتخر بمن ولدوك ".