للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوصف دون الغزل، أو عكس ذلك، لكنك لا ترى شاعرا ولا ناثرا يجيد كل ما سبق من الأساليب بنفس القوة. ولذلك ضرب العرب المثل بامرئ القيس إذا ركب والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب (١).

٤ - إن معاني القرآن مصوغة بشكل محكم بديع تصلح لأن يخاطب بها الناس على اختلاف بيئاتهم وتفاوتهم في الثقافة والعلوم بحيث تؤدي الغرض الذي سيقت من أجله، فيتأثر كل سامع لها ويفهم منها مقصدها على اختلاف ثقافة السامعين وعقولهم، استمع معي إلى قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} (٢)، فالعرب في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام فهموا من هذه الآية على قلة علومهم، دليلا على قدرة الله سبحانه، وهو أنه خلق الشمس والقمر يبعثان بالضياء إلى الأرض، وقد غاير الله سبحانه في التعبير بالنسبة لكل منهما تنويعا للفظ، وهذا معنى صحيح تدل عليه الآية، وأما عالم اللغة فيفهم أن الآية سيقت للدلالة على قدرة الله وسمى الله الشمس سراجا؛ لأنها تجمع إلى النور الحرارة، وسمى القمر منيرا؛ لأنه يبعث بضياء دون حرارة، وهذا المعنى صحيح تدل عليه الآية دلالة لغوية واضحة، وأما علماء الفلك في هذه الأيام فقالوا: نعم الآية مسوقة للدلالة على قدرة الله، لكن الله سبحانه غاير بين وصف الشمس وبين وصف القمر، فسمى القمر منيرا لا مضيئا؛ لأنه جسم مظلم يعكس ما يسقط عليه من ضوء الشمس. وهذا صحيح لغة؛ فإننا نقول غرفة منيرة إذا انعكس عليها الضوء من مصباح في وسطها، أما الشمس فإن الحرارة والضوء ينبعثان منها فناسب تسميتها سراجا


(١) الباقلاني، إعجاز القرآن ص ٣٦ - ٣٧.
(٢) سورة الفرقان الآية ٦١