للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومع أن هذا المشهد كما تلاحظ يتكرر في حياة الناس إلا أنه عرض بأسلوب تصويري، وكأنها لوحة طبيعية رسمت عليها النخيل والأعناب المثمرة (١).

د - إعطاء الحركة لما من شأنه السكون وخلع الحياة على المواد الجامدة والظواهر الطبيعية والانفعالات الوجدانية، فتصبح كأنها أشخاص بارزة لها عواطفها وخلجاتها الإنسانية، تأمل في قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} (٢)، تجد التعبير بالاشتعال يجعل الخيال يتصور أن للشيب حركة في الرأس كحركة اشتعال النار في الهشيم، مما يضفي على النص الحياة والجمال (٣).

وأما خلع الحياة على المواد الجامدة فمثاله قوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} (٤)، فالصبح مشهد معروف متكرر للناس، لكنه في التعبير القرآني كأنه شخص حي يتنفس كما يتنفس الأحياء، وكذا قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} (٥)، وقوله تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} (٦).

وأما تصوير الانفعالات الوجدانية فهو في غاية الروعة، فالغضب والروع والبشرى انفعالات وجدانية تصبح في التعبير القرآني كأنها حية متحركة، فالغضب يسكت كما في قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ} (٧). والروع يذهب ويزول، والبشرى تجيء كما في قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} (٨).

إلى غير ذلك من أساليب التصوير المتبعة في التعبير القرآني.

وطريقة التصوير التي يتبعها القرآن الكريم في التعبير لها فائدة عظيمة في وصول المعاني إلى النفس بشتى الوسائل؛ لأن المعاني إذا عرضت في صورتها التجريدية خاطبت الذهن فقط، أما إذا عرضت بالأسلوب التصويري فإنها


(١) سيد قطب، التصوير الفني ص ٥٧.
(٢) سورة مريم الآية ٤
(٣) سيد قطب، التصوير الفني ص ٦٦.
(٤) سورة التكوير الآية ١٨
(٥) سورة الفجر الآية ٤
(٦) سورة الكهف الآية ٧٧
(٧) سورة الأعراف الآية ١٥٤
(٨) سورة هود الآية ٧٤